لماذا الاحتفاء بالخضير؟

عمرو العامري

لو أخذنا الأمر بحيادية مطلقة فإن الخضير ليس أكثر من حبوب الذرة، تقطف وتطحن وتخبز لتؤكل قبل أن تنضج تماما .
لكن الأمر أبعد من ذلك ، إنه موغل في الذات والذاكرة الجمعية للانسان في تهامه، إنه تأريخ حياة هذا الإنسان .
والخضير للفلاح تعني اكثر من كسرة الخبز، انها تعني ان الناس قد نجت من الفاقة، تجاوزت الصيف القاسي وانها الآن على مشارف الحصاد ، و تفادي غائلة الفاقة وتأمين الغذاء لكل العام.

لماذا الخضير؟
في الزمن القريب البعيد ، كان اعتمادنا كليا على ما تهب الأرض، وكان المحصول الرئيس حبوب الذرة، وعندما تشح الأمطار وتشح السيول، يتعذر استنبات الذرة، ويحدث الشح والفاقة ، وتتجول الناس في هجرة داخلية و الى حيث يتوفر حصاد الخريف ، ويسمى هؤلاء ( المخاضرة) (كتبت عنها في روايتي ( جنوب جده شرق الموسّم).
واشتقاق كلمة المخاضرة من البحث عن الخضير.)
وفي هذا الرحيل تتوثق عرى صداقات وتولد قصص حب ، وتشتعل أماسي رقص لم يعد ، وقد تُرتب زواجات ، ويزهر الحناء في كفوف الصبايا ، ويتصالح كل شيء مع كل شيء حتى تأخذ الأرض دورتها وتعود المواسم.

لماذ الخضير ؟
عندما يصل الخضير ذلك يعني أن الفلاح قد وصل ساحل النجاة، وصاحب الدين يستطيع تحصيل ديونه، والخاطب سيتزوج، و( الدرم ) سيختن ، وستبنى بجانب العشة عشة جديدة ، ومن يريد الحج سيؤدي فريضته، وكل هذه المواقيت تظل مؤجلة حتى تصل طلائع الخضير وبعده الحصاد.

لماذا الخضير؟
و الخضير ليست الخبزة الطرية ولا العذوق التي تباع الآن على الطرقات ولا الصور ولا المهرجانات،انه ذاكرة الاباء والأجداد، الرجال والنساء الذين يبقون طوال العام يحرثون الارض، ينظفونها من الحشائش، يقيمون السدود والمداميك التي تحتجز الماء حتى تشرب الارض، انه مراقبة سحب المواسم و والش العشايا و ( يامطر تعاله سيّل امجفاله) ثم استقبال الماء من حيث يأتي والسير به الى حيث يطاوع ، قصة السيل كل عام و هبة الجبال لسهول تهامة ، القصة التي اخشى انها الآن انتهت.

لماذا الخضير؟
إنه حرث الأرض، مراقبة البذور ثم القصب والعذوق حتى وصول طلائع الخضير ، إنه القلق على المحصول وسهر الليل ، الانتظار اللذيذ لهذا الوليد وهو يكبر، المعارك اليومية بين العصافير والفلاح ، الصباح الذي يشرق بالفرح كل يوم حتى تعود الجِمال محملة بحبوب الحصاد.

لماذا الخضير؟

إنه الحكايات التي تولد على هوامش الانتظار، قصص الحب التي تتفجر في القلوب الطرية ، الزرع الذي يحفظ الأسرار، الهمس والمواعيد ، أصوات أوراق الذرة في العصاري ، الشمس وضوؤها ، القمر وفضته، والمواعيد ولهفتها، الخضير ليس سنبلة ولا عود قصب، إنه دفتر عشق يكتب كل عام.

لماذا الخضير؟
إنها قصة الفلاح وأرضه، البلاد التي توارثتها الأجيال ، ورق الحجج الصفراء ؛ باع فلان من فلان من فلان موضعا من الأرض…..إنه الحنين المندس في الذاكرة وما هو أكثر وما هو أبعد وما هو أعمق، إنه ( جنات البلاد) المخبوءة في اللاوعي والجينات المتوارثة في كامل الوعي.

لماذا الخضير…..؟
أنا العيد المعتاد لابن هذه الأرض في هذه الأرض ومن خير الأرض.

 

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

قناع الابتسامة

حمساء محمد القحطاني _ الافلاج تلك الضحكة التي أطلقها في وجه الحياة وتلك الابتسامة الهادئة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.