بقلم : أحمد محمد أبوالخير – مكة المكرمة
تلقيت عبر هاتفي الجوال نعي الشيخ هادي بن عبد الله القحطاني، فانتابني حزن عميق، لما له من مكانة في نفسي ومحبة في قلبي.
منذ أكثر من عقدين من الزمان انتقلت بأسرتي إلى الجنوب، وانخرطت للعمل في حقل الدعوة إلى الله، تعرفت خلاله على شخصيات فذه، وقامات مرموقة من أمثال الشيخ هادي – رحمه الله – الذي شرُفت بالتعرف عليه من خلاله ابنه المبارك الأستاذ الدكتور عبدالله بن هادي القحطاني أحد رواد العمل الدعوي والتنموي بالمنطقة، وأحد من يشار إليه في المحافل بالبنان.
ولست في صدد التعريف بالمعرف، فمن لايعرف الشيخ هادي، وهو من هو في صلاحه وبذله المعروف وحبه الخير للناس والإنفاق في دروب البر، وبناء المساجد، والاسهام بالأوقاف.
كان الفقيد من المخضرمين الذين شهدوا حياة التقشف وقلة ذات اليد قبل حوالي ٨٠ عاما، ثم عاصروا حياة الطفرة والازدهار والسعة، فكان يتحدث بذلك ويقدر للنعم قدرها، ويحث عليه من حوله، وربى أبناءه على ذلك.
ومع كبر سنه فقد كان يحرص على قضاء بعض الوقت في مكة للعبادة، ورغم كونه من جيل التلقي في الكتاتيب إلا أنه كان مربيا موفقا، وملهما للخير، ومحفزا عليه، وأكرمه الله بذرية مباركة.
وفيما كان لايفصح كثيراً عما في مكنونات صدره فقد كان ذو قلب واعي، وذكر في الناس زاكي، وعينين ناطقتين، ولم يك سادراً في متاهات الحياة.
ومن جملة ما عرفته به حكمته في التصرف، وحسن تدبيره في الشؤون كافة، وتفقده المستمر لأحوال من يعرفه ومعرفته بدقائق ظروفهم، يتعهدهم بالسؤال في ذلك حينا بعد آخر، مبدياً استعداده لحلحلة مشكلاتهم وإن كانت صعبة، ومنه أيضا روحه المرحة ونفسه الطيبة وبشتاشته الصادقة وبسمته حين اللقاء، وقد جُمع له بين حكمة الشيوخ وحيوية الشباب، فبورك في صحته وامتدت به الحياة حتى رأى أبناء الأحفاد.
ولاتسل حين تلقاه عن تواضعه، رغم مكانته الاجتماعية، وتميز بعض أبنائه في مناصب مرموقة.
لم يكن يحفل كثيرا بمكتسبات الدنيا بقدر سعادته بمنجزات أبنائه في دروب الخير وسبل الدعوة إلى الله.
ظل إلى أواخر حياته معتنيا بأسرته محباً لمن حوله حتى قدر الله عليه بمرض أقعده عن الحركة منذ حوالي سنة، لكنه عاش راضياً مرضياً طيب الخاطر حتى اختاره ربه إلى جواره في ساعة مشهودة من مساء يوم الجمعة الفائتة.
وهكذا تمضي الأيام، وتدور عجلة الحياة نحو ساعة الصفر، ولكل أجل كتاب؛ فرحم الله الشيخ هادي رحمة الأبرار وبرد مرقده بروح وريحان وجمعنا به في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
(إلى جنة الخلد نودعكم، وملتقانا الجنة بإذن الله، وإنا على فراقكم أبا عبدالله لمحزونون).