سارة طالب السهيل
بينما يحيي العالم احتفاله باليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية في السابع من ديسمبر الجاري ، فإن هذا الجهد الإنساني المبذول لحماية البشرية من هذه الجريمة يمثل وسام شرف على جبين الإنسانية إذا ما نجحت في تحقيقه بميزان عدل ودون الكيل بمكيالين ، كما يجري في عالمنا المعاصر بحق العديد من شعوبنا العربية التي تعرض الكثير منها لإبادات متنوعة .
الإبادة الجماعية مصطلح صاغه المحامي البولندي رفائيل ليمكن ، في اربعينات القرن العشرين ليصفها بالتدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم .
فبعد المجازر التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية ، فان تأسيس الامم المتحدة في بداية نشأتها صنفت جرائم الابادة الجماعية كجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع عام 1948 م ووضعت موضع التنفيذ 1951 م بعد مصادقة عشرين دولة ، وصلت حتى الآن الي 153 دولة من بينها الاتحاد السوفيتي عام 1954 والولايات المتحدة 1988 م ، ومن الدول العبية السعودية ومصر والعراق والأردن والكويت وليبيا والمغرب وسوريا وتونس ، واستهدفت هذه الاتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها .
حددت المادة الثانية من الاتفاقية الإبادة الجماعية بمجموعة الجرائم المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو وثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها مثل قتل أعضاء من الجماعة ، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة ، إخضاع الجماعة ، عمدا ، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا ، فرض تدابير لمنع انجاب الأطفال داخل الجماعة ، ونقل أطفال من الجماعة ، عنوة ، الى جماعة أخرى .
وقد جرى التطبيق العملي والقانوني الدولي لهذه الاتفاقية عام 1998 عندما حكمت المحكمتان الدوليتان على مرتكبي الإبادة الجماعية في روندا بالسجن مدى الحياة ، وبينهما جان كمباندا الذي كان رئيس الوزراء في بداية عملية الإبادة والذي اعترف بمسؤوليته عن إبادة المدنيين التوتسيين .
واذا كانت هذه الاتفاقية تستهدف معاقبة الافعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي او الجزئي لجماعة بشرية ، فان ما يجري بغزة اليوم من هدم وتدمير مبانيها ومساجدها ومشافيها ومدارسها وتسويتها بالأرض في تدمير متعمد على مرأى ومسمع العالم كله بقصف جوي أسقط اكثر من 16 ألف شهيدا نصفهم من الاطفال ، فهذه جريمة ابادة جماعية متكاملة الأركان بحق شعب مدني واقع تحت الاحتلال .
فكيف تنتصر هذه الاتفاقية المحترمة لحق هؤلاء الضحايا ، كيف تحيي ذكراهم وتمنح ذويهم التعويض كما نصت بنود الاتفاقية ؟!!!
ومن قبل غزة فان حصار العراق اقتصاديا قد تسبب في قتل مليون طفل عراقي لم يجد حليب الاطفال والدواء ، فاين حقوقهم من هذه الجريمة الدولية المتعمدة في ابادة هؤلاء الاطفال بالتجويع؟ ولماذا لم تعوض هذه الاتفاقية اهل ضحاياهم من الأطفال الابرياء .
وأين أيضا تطبيق هذه الاتفاقية من ضحايا غزو العراق الذي حصد أرواح مليون نصف عراقي وتدميره وهو البلد العربي الأصيل تدميرا جعله يعيش زمن العصور الوسطى حينها ، فمن عوض العراق عن هذا التدمير المتعمد ؟ ولماذا لم تقتص هذه الاتفاقية ممن استخدم اليورانيوم المخصب خلال الحرب ضد العراق لتدمير البيئة تدميرا ليس له من دون الله كاشفة ، ولم يسع جهابزة القانون الدولي أو مطبقي الاتفاقية لمعاقبة المسئولين عن تدمير العراق وقتل أطفاله وتدمير بيئته صحيا حتى قيام الساعة ؟
وأين التعويض الواجب للعراق عن هذه الجرائم ؟!!!
أظن أن العدالة قادمة في يوم ما ، لأن الإنسانية ورجال القانون الشرفاء بالعالم لن يغفلوا عن حق شعوبنا في معاقبة مجرمي الإبادة الجماعية ، ورغم أن المجتمع الدولي لا يزال مصرا على الكيل بمكيالين فيما يخص الحقوق ، فإن جرائم الإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم ، خاصة وأن منع جرائم الإبادة الجماعية معاقبة مرتكبيها صار قانونا دوليا ، يحق للشعوب المتضررة أن تستغل الظروف الدولية المناسبة لمناصرة حقوقها وتفعيل الاتفاقية والحصول على التعويض .
ومع احتفالنا بالذكري ال 75 لهذه الاتفاقية ، فإنني أناشد باقي دول العالم التي لم تصدق عليها للإسراع في المصادقة عليها لدورها المهم والمنتظر في منع جرائم الابادة الجماعية وحماية البشرية فظائعها .