د. وسيلة محمود الحلبي
اختتمت جامعة جورجتاون في قطر أعمال مؤتمر “استدامة الواحة” ضمن سلسلة “حوارات”، ومن المتوقع أن تسهم نتائج المؤتمر وتوصياته في إثراء المناقشات والحوارات الدولية وتشكل الأساس لاتفاقيات تعاون وشراكات بحثية جديدة حول الأمن المائي والتغير المناخي في المنطقة وحول العالم.
وسلط المؤتمر الذي أقيم في 12 و13 نوفمبر بالتعاون مع معهد مشاعات الأرض التابع لجامعة جورجتاون في واشنطن الضوء على تأثير الأمن المائي كقوة دافعة لتحقيق قدرٍ أكبر من التعاون والاستقرار الإقليميين، من خلال ربط السياسات بالعلوم، والتكنولوجيا الحديثة بالحلول المستدامة والقائمة على الطبيعة، وتعزيز الجهود والمبادرات والتدابير لمواجهة تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
وقد اختتم الدكتور صفوان المصري، عميد جامعة جورجتاون في قطر، المؤتمر بكلمة قال فيها: “من أهم مزايا المؤتمرات والندوات مثل سلسلة “حوارات” أنها تمهد الطريق لجمع المهتمين بالقضايا المشتركة وتعزيز النقاشات العالمية والتعاون الذي يؤدي إلى إطلاق برامج ومبادرات مستقبلية لبحث تحديات المنطقة”.
من جانبه، قال الدكتور بيتر مارا، رئيس معهد مشاعات الأرض: “هذا المؤتمر نقطة انطلاق للحوار بين المعهد وجامعة جورجتاون حول تعزيز تواجدنا وحضورنا البيئي في هذه المنطقة البالغة الأهمية”.
كلمة مالكولم جلادويل الافتتاحية
وكان الصحفي والمفكر العالمي مالكولم جلادويل، مؤلف مجموعة من أفضل الكتب مبيعًا وفقا لجريدة نيويورك تايمز، قد ألقى كلمة افتتح بها أعمال المؤتمر وكان لها صدى قوي طوال نقاشات المؤتمر، أكد فيها على ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة وجريئة وغير تقليدية في التغلب على التحديات الكبرى التي تواجهها المنطقة والعالم اليوم. وهي وجهة نظر اتفق معها ممثلو أكثر من 35 مؤسسة ومنظمة منها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، كما ناقش المشاركون في المؤتمر الوسائل الكفيلة لتسريع تنفيذ الحلول الشاملة والمستدامة في ظل الضغوط المتزايدة التي يفرضها تغيّر المناخ، وندرة المياه العذبة، والصراعات الإقليمية التي تُفاقم من تحديات المياه.
التركيز على استراتيجية المياه في قطر والمنطقة
سلطت ندوة نقاشية رفيعة المستوى ضمت وزارة البيئة والتغير المناخي وممثلي مراكز الأبحاث البيئية في مؤسسة قطر الضوء على استراتيجية دولة قطر في مجال الأمن المائي، حيث أشار المشاركون إلى أن جهود دولة قطر للوفاء بالتزاماتها الدولية حوّلت التحديات إلى فرصٍ للمنطقة، وقد أدى ذلك إلى توفير الحلول والتقنيات على نطاق واسع وبتكلفة ميسورة. وأكدت الدكتورة جيني لولر، مدير أول البحوث في مركز المياه التابع لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، على أهمية التعاون البحثي لتطوير التقنيات التي تساهم في التغلّب على التحديات العالمية المشتركة.
وكانت إسهامات دول الخليج في تحقيق الأمن المائي محور اهتمام ندوة حوارية أخرى أشاد فيها المتحدثون بالإنجازات التي تحققت بفضل القدرة العالية على مواجهة التحديات المائية ومواكبة التغير المناخي في المنطقة، وما ضخته من استثمارات ضخمة في مصادر المياه غير التقليدية، والتحول نحو إعادة تدوير مياه الصرف الصحي.
برغم من إتاحة الوصول إلى المياه في كل أنحاء المنطقة قد ساعد على تعزيز التنمية في دول الخليج، ما زالت الحاجة قائمة إلى ترشيد الاستهلاك واستدامته. وبحسب رولا مجدلاني، مستشار أول التغير المناخي في المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا): “يمثل القطاع الزراعي القطاع الأمثل لترشيد وإدارة الطلب على المياه في ظل سعي دول المنطقة وتوجهها نحو الاكتفاء الذاتي وتحقيق السيادة الغذائية”، وأشارت إلى حلول توفير المياه الواعدة في مجال الزراعة ومنها إعادة التدوير وتوظيف التكنولوجيا والزراعة الدقيقة والمحاصيل التي تتحمل ارتفاع درجات الحرارة.
تأثير الماء على الأمن الغذائي
وكانت الفوارق الإقليمية الناجمة عن الصراعات الأمنية، والتوترات مع البلدان المجاورة، وضعف الحوكمة المحلية في مجال الاستدامة من القضايا التي تكرر تداولها في النقاشات. وفي ندوة نقاشية حول العلاقة بين المياه والغذاء، أشار المتحدثون إلى أن اضطرابات سلاسل الإمداد الغذائية العالمية والصراعات الأمنية دفعت الدول إلى إعادة التفكير في مفهوم الأمن الغذائي، إلا أن مختلف الاستراتيجيات المتبعة بصدد استنزاف الموارد الطبيعية خاصة المياه. واستعرض الدكتور لوغان كوكران، الأستاذ المشارك بجامعة حمد بن خليفة، استراتيجية قطر الهادفة إلى تكوين مخزون غذائي استراتيجي وطني، وزيادة الإنتاج المحلي بشكل استراتيجي، وتطوير السوق المحلية، وتنويع الواردات.
إدراج قضية المياه في صدارة النقاشات العالمية حول التغير المناخي
لسد الفجوة بين الاحتياجات الإقليمية من المياه وأهداف المناخ العالمية، ناقشت ندوة رفيعة المستوى استراتيجيات قابلة للتطبيق لإدراج قضية المياه ضمن جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين بشأن تغير المناخ”COP28″.
وفي هذا السياق، قال هينك أوفينك، المبعوث الهولندي الخاص السابق لشؤون المياه الدولية: “لأن المفاوضات أصبحت أكثر تعقيدًا، فإننا نوجّه تركيزنا إلى إيجاد الحلول”. وأضاف: “ستثبت قضية المياه في سياق ارتباطها بالأمن الغذائي وأمن الطاقة والتنوع البيولوجي أنها أفضل محفز لتغيير مسار الجهود الحالية في إطار التغير المناخي”.
من جانبها، أوضحت الدكتورة رها حكيم داور، المستشار الأول لكل من عميد جامعة جورجتاون في قطر وعميد معهد مشاعات الأرض: “جاء انعقاد مؤتمرنا في وقت مناسب للغاية خاصة أنه لم يتبق على انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ “COP28″ سوى أسابيع قليلة، وستُرفع النتائج والتوصيات رفيعة المستوى الصادرة عن مؤتمرنا إلى رئاسة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف لدعم المناقشات والمفاوضات حول المياه”.
الابتكار ومشاركة الشباب ركيزة أساسية لدعم مستقبل الماء
شدد المشاركون في جلسات المؤتمر على الدعوة للابتكار وأكدوا ضرورة دمج البيانات المجمّعة من الأقمار الصناعية ومن مصادر الأخرى في وضع السياسات، كما ناقشوا الوسائل الكفيلة بدمج الحلول القائمة على الطبيعة لتجديد النظم البيئية الهشة وإعادة إحيائها، فضلًا عن دراسة المعارف التقليدية.
واختتم المؤتمر بعروض ملهمة من طلاب جامعة جورجتاون في قطر أبرزوا فيها الطبيعة العالمية لتحديات المياه وأهمية حشد وجهات النظر الشبابية حول إدارة المياه.