نجفيه حمادة
كانت تغفو في أحضانها وتشم عبير أنفاسها، تصعد على ظهرها حينًا وتلعب بشعرها حينًا آخر، تسقط فتشهق خوفًا عليها، كوكبها محيط عينيها، ترى السعادة في درب صغيرتها، هذا ما تشعر به (نائلة) نحو ابنتها (ليان)، تجمع ألعابها في زوايا بيتها وتقوم في اليوم التالي بنفس المهام دون ملل أو تعب، ترى الآمال والسعادة في ضحكتها، كبرت صغيرتها لتكبر معها تلك الأحلام، تنام ليان لتبقى نائلة على سجادتها تناجي الرحمن ليحفظ لها صغيرتها من مخاوف الزمان.
تفوقت ليان في دراستها وتميزت بأخلاقها وجمالها فكل من يقترب منها يغرم سريعًا بها، لديها قبول اجتماعي، لتكبر معه دائرتها الاجتماعية، فأصبحت تعرف المتفوقة وتساعد المتعثرة دراسيًا، إلى أن ساقها القدر أن تتعرف على (ولاء) لتجرها في وحل أفعالها، تلك الفتاة المتعجرفة والمتعثرة دراسيًا، سليطة اللسان، كثيرة المشكلات ويغطي جسدها الكثير من الوشوم، ولكن ليان لا تحب أن تحكم على الإنسان من مظهره.
تحدّت ولاء صديقاتها بأن ليان ستكون في دربها، فخططت لجذب ليان لعالمها واستغلت سفر والدتها في رحلة عمل لتبدأ في تنفيذ هذه الخطة، عزمتها على حفلة في منزل إحدى الفتيات ولثقة نائلة في ابنتها وافقت بشرط أن تمر عليها الصديقات الأخريات لسفرها.
توجهت ليان للحفلة بكامل زينتها فوصلت المنزل وطرقت الباب، فتح الباب وإذا هي ولاء مرحبة بها ولاء: “مرحبًا ليان أهلاً بكِ في عالمنا الجميل” ليان: “شكرًا لكِ، ما هذا الهدوء؟! هل هي حفلة على الصامت؟” ولاء: “ههه انتظري وسترين، هناك مفاجآت بانتظارك” ليان: “ههه، سنرى” دخلت ليان وكأنها أول الواصلين لتخرج باقي الفتيات (نورة، نوال، نعيمة )من الداخل ويبدو عليهن بعض التصرفات الغريبة والنظرات المخيفة فالتفتت إلى ولاء تسألها “هل نحن فقط المدعوات؟” لترد ولاء “لا، هناك أصدقاء في الطريق” وفي تلك الأثناء طُرق الباب ففتحت نعيمة الباب وهي ترحب بالحضور: “أهلاً وسهلاً بكم، لماذا تأخرتم؟” فقال أحدهم: “الطريق مزدحم”، ذعرت ليان عند سماع صوت رجل وهنّ فتيات وحدهن، فدخل 3 شبان يكبرونهن سنًا.قامت ليان وهي مذعورة وممسكة بحجابها: “سأتصل بأمي لكي أعود للمنزل”، فقال أحدهم: “لا داعي للخوف فنحن مثل إخوتكم” لتضحك بقية الفتيات وضحك معهن الشباب، فقالت ليان: “لا أستطيع الجلوس مع شباب” وركضت نحو الباب لتجده مقفلاً، فذعرت وبكت وهي تنادي: “افتحوا الباب، أرجوكم”، ركض أحدهم نحوها وسحب حجابها وهو يقول: “لا داعي للخوف خذي راحتكِ فنحن هنا لنستمتع”، وجاء إليها آخر بكوب ماء “اشربي عزيزتي لتهدئي قليلاً”، وما إن شربت منه حتى أحسّت بأن العالم حولها يدور وبأنها ستفقد الوعي، كانت تترنح في مشيتها حتى فقدت الوعي تمامًا.
وما إن استعادت وعيها رأت نفسها ممزقة الملابس وصديقاتها نائمات على الأرض والشباب كذلك، لبست حجابها باكية مذعورة لتستر جسدها بما تبقى من ملابسها، أيقظت ولاء لتفتح لها الباب فقامت وهي بنصف وعيها ففتحته لتركض ليان إلى الشارع مذهولة ولا تعرف ماذا تفعل، رأت سيارة أجرة من بعيد فأشارت إلى السائق ليتوقف، صعدت وهي تبكي خائفة، أوصلها السائق لمنزلها، وما إن دخلت المنزل حتى سمعت رنين الهاتف، لترد “ألو” إنها والدتها. نائلة: “مرحبًا صغيرتي، أين كنتِ الليلة الماضية؟ لم تردي على مكالماتي” ليان: “لقد نمت مبكرًا فقد كنت متعبة” نائلة: “كان الله في عونكِ صغيرتي، انتبهي لنفسك وكلي جيدًا، سأعود قريبًا، مع السلامة وإلى اللقاء أميرتي” أغلقت الهاتف وليان اغرورقت دموعها وبها غصة وكأن روحها تنادي: أماه أنا بحاجة إليك، عودي الآن، بعد لحظات جاءت إليها ولاء لتطمئن بأنها لم تخبر أحدًا عن وضعهم المخجل ودربهم الفاسد”، ففتحت ليان الباب ليان: “أهلاً ماذا تريدين” ولاء: “أردت الاطمئنان عليكِ، فكلنا في هذا الدرب معًا” ليان: “دربكم وليس دربي” ولاء: “أنت الآن تشعرين بصداع رهيب وعندي دواء لذلك اطمئني فلا شيء مخيف” ليان: “ما هذا الذي شربته وأفقدني الوعي” ولاء: “إنها المخدرات، سرت في دمكِ الآن وهذا علاجها” صرخت ليان: “يا إلهي مخدرات!! تبًا لكم” فصرخت من صداعها واضطرت لأخذ الدواء من ولاء وهي لا تعلم بأنها مخدرات أيضًا.
تغير حال ليان فأصبحت كثيرة الغياب عن المدرسة وفي الغالب تذهب بنصف وعيها.
عادت نائلة من السفر فرأت ابنتها متغيبة عن المدرسة، فسألتها “ما بكِ صغيرتي” فقالت: “إنني متعبة يا أمي”، أصبحت تدّعي الذهاب إلى المدرسة لتذهب إلى رفاق السوء ولاء وصديقاتها الفاسدات، وذات يوم اتصلت المدرسة بوالدة ليان لتخبرها عن سبب تغيب ابنتها المتكرر ووضعها الذي تغير مؤخرًا، لتُصدم نائلة بما سمعت من حال صغيرتها وما وصلت إليه فعادت إلى المنزل لتنتظر ليان ولكنها كعادتها تتأخر في عودتها، استقبلتها “أهلاً بكِ.. أخيرًا.. تأخرتِ كثيرًا” فقالت ليان: “كان لدينا واجب”، صرخت والدتها “أنت تكذبين”، توترت ليان وأصبحت تصرخ “دعيني وشأني فأنا لم أفعل شيئًا” وذهبت لغرفتها وأغلقت الباب.
أخذت نائلة تحدّث ابنتها من خلف الباب: “هذا درب سينتهي بالهلاك يا ابنتي، ارجعي إلى صوابكِ فأنت ذكية وصالحة، صرخت ليان: “اذهبي فأنتِ تزعجينني”، فتركتها ودموعها تجري على وجنتيها وكأنها فقدت صغيرتها المدللة، أصبحت ليان تهرب من المنزل لأيام وبدأت ملامحها البريئة تموت، إلى أن قررت الرحيل وترك المنزل نهائيًا بعد أن تمكن منها الإدمان، فأصبحت نائلة كالمجنونة على صغيرتها تبحث عنها في كل مكان يوميًا، إلى أن باغتها مرض السرطان في الرئة، أفقدها القوة ولكن لم يفقدها حبها لصغيرتها، فلازمت الدعاء لها في كل صلواتها.
تدهورت حالة نائلة وأدخلت المستشفى في حالة صعبة، رحلت عذراؤها فرحلت صحتها وقوتها، بينما ليان منغمسة في حياتها الفاسدة تترنح وتلهو، قابلتها جارتهم صدفةً فأخبرتها عن حال والدتها، فأخذت ليان تبكي بحرقة، تركض في الطريق المؤدي للمستشفى بهلع، وصلت وسألت عنها ليجيبها الدكتور “كان الله في عونكِ ابنتي، فقد توفاها الله” رحلت نائلة وهي مشتاقة لصغيرتها، صرخت ليان “أماه، عودي وسأعود أميرتك المدللة.. فقط عودي”.لم تبقَ إلا الذكريات، عادت ليان لصوابها ولكن بعد رحيل من كانت تنير دربها، عادت مكسورة ووحيدة يأكل الهم فؤادها. قوة الأمهات في سعادة الأبناء، وضحكات الأبناء قناديل تضيء ليالي الأمهات، فرفقًا بمن ينيرون لنا الدرب، بمن دعاؤهم يزيل كل العقبات، رفقًا بهم.