بقلم:سعد نمنكاني
ما وقع الخلل في فهم كثير من الناس لمعنى التواضع على الوجه الصحيح إلا من ناحية رؤيتهم لمظاهرٍ ظنوا بأنها تعني التواضع فاغتروا بها من انحناء وطأطأة للرؤوس ومن إكثار لقول عبارات رنانة ليس لأصحابها منها إلا التشدق والتفصح مثل:(نعلك فوق رأسي يا حبيبي، أنت تأمر وحنا نطامر)، فلا يترجمون تلك المقولات بأفعالٍ على أرض الواقع ؛بل يعاملونك على نقيض تلك العبرات تماما.
فلسان حالهم وفعالهم يقول:(نعلي فوق رأسك أيها الوضيع،احنا نأمر وانت تطامر)، عافاني الله وإياكم من ذلك.
بل إنني أجد أحيانا بعض العبارات التي لا يمكنني أن أصفها إلا بأنها كبر وضع في ثوب تواضع، يقولها المتغطرس حتى يدرأ عن نفسه شبهة التكبر.
والذي تجدر الإشارة إليه أن “التواضع فضيلة بين رذيلتين: المسكنة والكبر، فكما أن الكبر أو الغرور مذموم، فكذلك يكون الهوان أو التذلل مذموما.
والتواضع الحقيقي هو الذي إلى العز والرفعة أقرب”.
فما أحوجنا إلى أن نعيد النظر في تقييمنا لقيمة التواضع وأن نميز هذا الخيط الدقيق بين التواضع والذلة،
ولا شك بأن التواضع الذي لا يشوبه ذلة هو من أرفع شيم الرجال وأعظم صفات القادة وأشرف أخلاق الأنبياء-عليهم الصلات والسلام-،
وقد أصاب الشاعر محمود سامي البارودي حين قال:
أَلا إِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ وَإِنْ نَمَتْ
فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا تَفُوقُ عَلَى الْكُلِّ
وَقَارٌ بِلا كِبْرٍ وَصَفْحٌ بِلا أَذَىً
وَجُودٌ بِلا مَنٍّ وَحِلْمٌ بِلا ذُلِّ.