ثُمامةَ ابن أُثال بين الاعتدال والحوار

بقلم/ دلال حمود بن نادر

رُويت في إحدى اللقاءات التلفزيونية الناضجة حكاية أول معتمر في الإسلام، ولكنها شدّت انتباهي كونها صورة من أروع صور الاعتدال و الحوار ، فلا مزاعم للتطرف في الدين الإسلامي، فهو في معنى “الإسلام” وهو من سَلِمَ الناس من لسانه ويده، هي قصة الصحابي ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ وقد كان وقتها هو سيّد قومة ووالياً لليمامة ” إقليم نجد” في سنة 6 للهجرة، وقع في أسَرَ سَرِيّة من سرايا المسلمين (و هي قطعة من الجيش تتراوح أعدادهم بين الخمسة إلى ثلاثمائة شخص) و كان حينها يتجول وحدة ، فقاموا بأسره وهم لا يعرفونه، وقدموا به إلى المدينة المنورة وربطوه في سارية من سواري المسجد النبوي ، وفور قدوم رسول الله إليهم فقال لهم: “أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ ؟ هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ ” فرجع رسول الله إلى أهله فقال لهم: ” اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ ” وقد أمر أن يُسقى ثُمامة من حليب ناقة الرسول وكان يتردد عليه و يدعوه للإسلام و يحاوره، و بعد أيام قليلة أمر النبي الصحابة بفك أسره، فما لبث ثُمامة أن خرج من المسجد النبوي إلا واغتسل غُسل المسلمين و عاد للرسول عليه السلام ونطق الشهادتين فأعلن إسلامه .
ولنا حِكمة في قصة إطلاق سراح ثُمامة، فما فك أسرهُ الرسول إلا إكراماً له ووقتها كان ثُمامة غير مسلم، فالإحسان يُزيل البُغض ويمثل السلام الذي يتمتع به المسلمون. كانت هذه أسمى صور الاعتدال أن عند خروج ثُمامة من المسجد و عودته فأثبت بها للناس بأنه قد تم تحريره و عاد من نفسه ليعلن إسلامه ولم يكن مُجبراً على فعل ذلك، ولم تكن قصة إسلامه بسيطة كونه أول معتمر في الإسلام دخل ملبياً بالتكبير في قلب مكة المكرمة و وقتها كانت مكة تحت حكم الكفار، علّمه الرسول عليه الصلاة والسلام صفات العمرة و لقّنه التلبية بعد إسلامه و من ثم ذهب إلى مكة، و كان الكفار في حَرَجٌ من أمرهم بأن كيف لهم أن يعادوا و يقتلوا ثُمامةََ و الميرة (الزاد من تمر و قمح و حنطة) تأتيهم من أرض اليمامة!
فعمل ثمامة حينها أول حصار اقتصادي على مكة كون أن أرض اليمامة هي الموزع الوحيد للميرة في المنطقة ، فقال لهم: والله لا تأتيكم حبة قمحٍ ولا مؤونة إلا أن يأذن بها رسول الله ، فتأثروا لذلك وخاطبوا الرسول وتشفّعوا به ، وبالرغم من إنهم معاديين له إلا أن رسول الله – رأفةً بهم – أرسل لثُمامة وفك الحصار عنهم. صور الاعتدال في الإسلام كثيرة وتدل على الوسطية وعلى أن ما يدعونا إليه ديننا الحنيف هو التفكّر والتعقّل والسير على نهج رسولنا الكريم وهو المهدي والمهتدي بالله.
نعيش في هذه الحياة غالباً مع من تفرضهم الحياة علينا ليس من نختارهم نحن ، فالحوار هنا هو سيد الموقف والحكمة والسلام هي خير ما يختاره المرء للحصول على الحياة الهانئة و المستقرة، و التطرف و الغلّو في الدين هما وجهان لعملة واحدة وهي عملة الذل و المهانة، و القصص في الإسلام واضحة و صريحة و تحكي ما كان يعيشه أنبل الخلق الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام و الصحابة، و لنا من قصصهم حكمة و علّو في تاريخ حكيم يعلمنا سياسة الحوار و الاعتدال والأخذ بالأسباب وأن لا إكراه في الدين.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.