بقلم/ مشاري محمد بن دليلة*
منذ ما يقارب سنة هجرية أكرمني الله بمعرفة رجل قلما تجد مثله في العبادة والأخلاق والأعمال الصالحة، رجل لو كتبت عنه لما وفيته حقه نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً من العباد الصالحين المباركين على هذه البسيطة.
دعني أبحر وإياك ونرى هذا الرجل الذي تجاوز عمره السبعين ويعيش في إحدى المحافظات ماذا يعمل ، إن جئته في العبادة هو بين الإمامة للمسجد والمئذنة على ما يربو عن أربعين سنة، المسجد أصبح جزءاً من حياته يترك المناسبات والأشغال الدنيوية لأجل المسجد لتعلقه به ونسأل الله أن يشمله حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم “ورجل قلبه معلق بالمساجد” ما رأيته إلا مسابقا للمسجد يؤذن ثم يتلو من كتاب الله حتى تحين الإقامة وأظنه يختم في كل شهر، وفي يوم أخذ التعب منه مأخذه فلا يكاد يقف ولما حان وقت الأذان ذهب للمسجد يتهادى حتى يؤذن ونسأل الله أن يجزيه خيرا فهم أطول الناس أعناقا يوم القيامة ، في صلاته بالليل كما سمعت عنه من أبنائه يقوم قبل الفجر فيكون في ذكر واستغفار في الأسحار وصلاة لله حتى قبيل الفجر وبعد صلاة الفجر يجلس في المسجد ما بين استغفار وقراءة القرآن حتى شروق الشمس ثم يصلي ما كتب الله له ويذهب لبيته يفعل ذلك كل يوم، صدق مع الله فأعانه ووفقه لذلك العمل الصالح ، إن جئته في الأخلاق فهو دمث الأخلاق حسن المعشر لا تفارقه الابتسامة طيب القلب طاهر اللسان لم أره في يوم يتحدث عن أحد بسوء أو يغتاب أحداً أو يحسده على رزق ساقه الله له، من تعامل معه أحبه ، في كل مكان يقدم لسمو أخلاقه يحترم الناس ويحب الجميع ويتعامل مع أبنائه بكل حب واحترام وهم يحترمونه ويقدرونه ، لم أره يوما يعاتبهم بل هو سند لهم بعد الله يقدم لهم النصح، إن جلست في مجلسه تجده يتحدث عن أجداده وحياتهم السابقة ويذكر تعاقب ملوك هذه الدولة المباركة ماذا قدموا ويجزل لهم الشكر على قيادتهم الرشيدة ، وفي الكرم ماذا أقول لو كتبت مقالا كاملا عن كرمه لما وفيته! في كل يوم بابه مفتوح لا يغلق الداخل أكثر من الخارج ما بين زائر ومحتاج ومحب لا يمكن أن تخرج من بيته وأنت جائع رأيته بنفسي وقد اشترى مواد غذائية بكميات ووضعها في بيته ووزعها على سلال غذائية ويذهب لتوزيعها على المحتاجين وأحسبه تمثل ذلك الحديث الذي أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله ( يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي) حتى الحيوانات وجدت شبعها عنده مع كل إشراقة شمس يأخذ الأرز وبعض اللحوم يذهب به للأرض المجاورة لبيته تنتظره الطيور والقطط بلهفة لكي يطعمها يحبهم ويحبونه هذا ما وسعني لمعرفة بعض أخلاقه وما عنده أكثر، إن جئته في حبه للعالم الإسلامي مع كل حادثة تنزل على بلد اسلامي من حرب أو زلزال أو مجاعة يضيق صدره ويتابع الأخبار ويلهج لهم بالدعاء لا يحب أن يمس مسلما بشر ويدعو على كل ظالم ، أخيرا في أحد المجالس حضر أخ له من أبيه وذُكر لي عنه من القصص الشيء العجيب وما ذلك على الله بعزيز بلغ من العمر الستين سنة لم يتزوج والسبب بره بأمه جلس يقضي حاجاتها وينام عندها حتى توفيت وقد بلغ من العمر عتيا ، حمامة مسجد ويد بيضاء للمساكين والمعوزين يحبونه في كل يوم يذهب ويقدم لهم الطعام والشراب ويقف معهم ويقضي حاجاتهم عندما ورث مبلغا ماليا بعد وفاة أمه أشار عليه إخوته بأن يشتري بيتا لكنه اشترى بيتا في الجنة كل المال الذي حصل عليه وزعه بين المحتاجين وهو راضٍ ومبتسم يذهب لهم ويوزع للأطفال الحلوى ، أخي القارئ هؤلاء الرجال يعيشون في زمننا لا أحدثك عن زمن السلف هؤلاء يعيشون في زمن الماديات والمغريات وما هو بيتك وما هو رصيدك البنكي وماهي سيارتك جعلوا المال في أيديهم لا في قلوبهم يبتغون ما عند الله ولن يضيعهم ، قلوبهم طاهرة نقية على الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وأختم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول النبي ﷺ: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه يعني: ولا يخذله، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة.
* كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية