محمد الرياني
أغمضتْ عينيها غصون ، تركتْ كلَّ شيءٍ ودخلتْ في سباتٍ طويل، لم يبقَ من ذكراها سوى الذكريات، أحاديث الصباح والمساء ، أصناف المتاعب ورائحة الفصول، والمعادلات التي لم تجفَّ بعدُ على اللوحِ وفي صفحاتِ الأذهان ، تركتْ زميلاتِ العملِ في حيرةٍ وفي خرائط رؤوسهن تفاصيلُ اللغةِ الدافئةِ مع قهوةِ الصباح، وفي محاجرهن ترتسمُ صورُ الصخبِ الذي يحضر عند اصطفاف الطالبات وعندما تضجُّ الحياةُ في منبتِ العلم حيث تنمو أغصانٌ وتتبرعم أغصان ، غدًا ستنمو فروع أخرى وتكبر وستذكر التي صنعتْ أزهارَ الحياة، غادرتْ (أغصان) وتركتِ الأغصانَ تملأ الساحات، تتفرع على الأسوارِ كما الأغصان ، تجاور الأسوارَ حتى تورق حدائقَ من اخضرار ماضيها و جنانًا من بذور عطائها ، هكذا هي الحياة تخضرُّ الأغصان فيها ثم لا تلبثُ أن يفاجئها ظمأ الحياة فتموت في قمة اخضرارها ، ما أسرع دوران الأرض!! تدور الحياة بعنفوان والسائرون معها يتألقون مثل حقلٍ جميلٍ يطأطئ رأسه للحصاد ، تذبل الأغصان والعيون تقطر دمعَ المحبةِ والودِّ على ضفاف الذكريات !
وأنتن ياطالبات غصون وأغصانها الباقية ، ويازميلاتها اللاتي حملنَ معها رايةَ العلم ؛ املأن المكانَ دعاءً وارفعنَ الأكفَّ مع الصباحِ الذي كانت تشرقُ معه من أجلكن ومعكن ، وامنحنَها فصولًا من الاخضرار بعد الغياب ، لاتنسينَ من عاشتْ معكنَّ أمًّا وأختًا ورحمةً وبلسمًا.
(يرحم الله مربيةَ الأجيالِ ومعلمةَ الرياضياتِ بثانوية الواصلي للبنات بجازان غصون عقيلي رحمة واسعة) لقد فقدها التعليم وهي في أوجِ عطائها وطموحها، غادرتْ هذه الدنيا وتركتْ إرثًا سيظلُّ يذكر أنها كانت دوحةً وارفةً من العطاءِ والإخلاصِ والرحمة ، وعزاءُ التعليم فيها أنها تركتْ آثارًا سكنتْ وجدانَ كلِّ مَن عرفَها.