محمد الرياني
ولايزالُ في قلبي شيءٌ من حَتاَّها، تُحدثني وإذا قالت (حتى) توقفتْ عن الكلامِ وتمزقتْ حبالُ صوتِها، أقول لها : أكملي! حتَّى ماذا.. حتَّى ماذا؟ فتشير بإصبعها بأن الكلامَ لايستطيعُ الخروج ، ياحسرةً على حتَّاها، أرادتْ يومًا أن تستفزني! تقول لي : حتَّى الذين يُحبون لايفعلون مثلك، لم تشعرني يومًا بالحُبِّ حتى وصلتُ لدرجةِ الغيرةِ من حمامةِ الفناءِ التي تأتي كلَّ صباحٍ وراءَ حبةٍ أو حبتين من الحبوبِ المدفونةِ في الترابِ كي يأتيها وَليفُها لتملأَ الصباحَ غناءً وفرحة، أتذكَّرُ يومًا حدَّثتْني فيها عن كلِّ شيءٍ حتى قلتُ ليتكِ تتوقفين، قلتُ لها : ما أتعسَ حتَّاكِ التي أضحتْ شعْرةً في حناجرِ الجدليين، نصحتُها أخيرًا ياصاحبةَ حتَّى : ما أروعَ حتَّاكِ وإن كثرُ الجدل لديك، وإن تبسمتِ وكرَّرتِ المثل، أنتِ أضفتِ للغةِ حرفًا مختلفًا، اسمحي لي بأن أُشيعَ حتَّاكِ بين أمثالكِ كي يسعدَ غيرك، قالت لي : لا لا، حتَّايَ لا أسمحُ لغيري بأن يغني بها، هذه بيني وبينك، هي صوتي الأغنُّ الذي يجعلكَ تحبني بفعلها، قلتُ لها :ما أروعك! دعي أيامنا تمضي على أنغامك، قالت لي حتَّى… حتَّى حتَّى، ظلتْ ترددها على مسمعي وأنا أقول : لن أشبعَ من حتَّاكِ حتَّى… حتَّى، وأنا أردد في نفسي :لسانُ حالها يقول : أحبُّكَ حتى ، ونبضاتُ أوردتي تردِّدُ مثلها، سرحتُ كثيرًا في عالمِها ولم أنتبه لها، ربتَتْ على كتفي وقالت : حتَّى متى؟
نظرتُ في وجهها، عينايَ قالت لها هذه المرة : (حتَّى) ولم أشرح لها معناها.