التحدي الكبير : الجزء ٢

اقتباس : هيا الدوسري

أهلاً لشرف نزول المعجزة القرآنية بها ، تجلوها في ذروة نقائها وعز أصالتها ومعجز بيانها وسارت مع الإسلام ، تفرض وجودها على الدنيا ، لغة ختام الرسالات ، ولسان دولته . واستطاعت بحيوية فائقة أن تستجيب لحاجات الحياة اللغوية لشعوب أمته ما بين المشرق والمغرب ، وأن تلبى مطالب التعبير عن الوجود الفكري والعلمي للحضارة الإسلامية .
وتكون يقظة واعية ، تذهل الدنيا ، وتدفع بلواء الإسلام هذه القلة المؤمنة من العرب البداة ، أبناء الجزيرة مع المجدبة الماحلة الأمية ، إلى آفاق العالم ، وتورثهم في فترة قصيرة لا تكاد تبلغ عمر فرد واحد ، ملك أباطرة اليونان وقياصرة الروم وأكاسرة الفرس وفراعنة النيل … ولم تكد الدنيا تفيق من ذهولها حتى كان أبناء الصحراء يطوون الممالك بلواء الإسلام من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي ، وحتى كان الهتاف الذي انطلق من حنجرة ( بلال بن رباح ) ترجعه عشرات الألوف من المآذن في شتى أنحاء الأرض ، فيستجيب لدعائه الملايين من شتى أجناس البشر !

-وراء الأسوار
… ومضت قرون قاربت أربعة عشر قرناً، وملايين المسلمين يستقبلون المسجد الحرام فى «أم القرى » خمس مرات في اليوم ، ومئات الألوف منهم يحجون إليها كل عام ، هاتفين من أعماق قلوبهم في ضراعة وخشوع :
لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك

لكنهم ما كانوا يجاوزون الحجاز إلى نجد ، فضلاً عن أن يوغلوا في أحشاء الدهناء والربع الخالي وبقيت الصحراء خلال تلك القرون قائمة هناك ، بكل صمتها العميق وسرها المرهوب ، تترامى وراء أسوار من جبال الحجاز الصخرية وتلال من كثبان الرمال وتمتد حتى الخليج العربى فى عزلة موحشة وتمتد إلى بقية الصحراء هناك ، و لا يكاد يلم بها أحد سوى قبائل من البدو الرحل ، يهيمون فى أرجائها ملتمسين مواقع الغيث ومنازل المطر .

بقيت الجزيرة فيما عدا أطرافها وقراها نائية مهجورة غامضة محجبة ، لا تريد أن تتصل بالدنيا أو تبيح حماها لغير أهلها من الأعراب البداة ، قد آثرت العزلة على الاتصال بالعالم خارجها ، وأقامت بواديها الواسعة ورمالها التي لا يدركها الطرف ، أسواراً منيعة تحمى تقاليدها ، وأعرافها ، وأنماط حياتها ، غير مستجيبة لتطور الدنيا ولا مكترثة لسير الزمان .
ولو أن أحد العرب القدامى عاد إلى تلك البقعة من الجزيرة لما وجد ما يثير دهشته: وسيجد العرب لايزالون في خيامهم السود ، والبدو الرحل على ظهور إبلهم ، والرعاة يستقون كل شيء فى مكانه كما تركه ، وملابس الناس كما كانت ،
ومظهرهم الجسماني لم يتبدل و قد جدت على العالم من وراء أسوار الجزيرة . أحداث جسام غيرت وجه الحياة ، وتنقل الناس من عصر البخار إلى عصر الكهرباء ، ثم إلى عصر الذرة من عصر الناقة ، إلى عصر القاطرة والباخرة ، ثم إلى الطائرة ، والجزيرة في عزلتها الصامدة تتحدى كل تغيير ، وتمتنع عن كل تطور .

>>> يتبع

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.