المدينة المنورة – ماهر بن عبدالوهاب
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: الأسرة أساس بناء المجتمع واللبنة الأولى في كيانه، صلاحها صلاح المجتمع بأسره؛ ولمقامها الرفيع ومكانتها العالية نالت نصيبًا وافرًا من النظم والتشريعات التي رسمت الحقوق وحددت الواجبات وميزت الاختصاصات
بين الزوجين ؛ ولقد راعى التشريع الإسلامي ما يناسب كلًا منهم من جهة قدرته الجسدية وطبيعته النفسية وما يلائم مؤهلاته وإمكاناته، لتكون علاقة تكامل وتواد واحترام وتعاون؛ تؤسس لأسرة قوية الأركان، راسخة البنيان، قادرة على أداء رسالتها في التربية، وبناء الشخصية، وتهذيب الأخلاق، وإعداد جيل محصن بالعلم والإيمان، قادر على العطاء والإنتاج والتنمية.
وأضاف: وللمرأة دورها الذي لا يسده غيرها، ولا يملؤه سواها؛ فهي المربية الناصحة، والرأي الحصيف، وهي لزوجها السند المتين، ولأسرتها الركن الركين، والحنان المتدفق، والرحمة الغامرة، والعاطفة الجياشة، والأم الرؤوم، فقدها لا يعوض، بل يهز عرش الأسرة، وغيابها عن أداء رسالتها لا يضعف الأسرة فحسب؛ بل يزعزع دعائم المجتمع وأركانه.
وبيّن فضيلته: وجدير بالذكر أنه لا يستقيم سير مؤسسة أو شركة أو كيان إلا بقائد يدير دفتها، ويحيط بشؤونها، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، فالقوامة ولاية تمنح الزوج حق القيام على شؤون الأسرة وتدبيرها وصيانتها، فهو أمين على الأسرة يتولى أمرها، يحميها، يحفظها، يقوم على مصالح الزوجة والأولاد بتأمين المأكل والملبس والمسكن والنفقة، يتعهد زوجه وأسرته بالتعليم والرعاية؛ فهذه القوامة تشريف للرجل وتكليف، وزيادة مسؤوليات وأعباء، ومن الزلل التمرد على منصب القوامة ومنازعة الرجل ما كلفه الله به، ومن الخطأ الأكبر ممارسة الرجل للقوامة خارج إطار الشرع الحكيم؛ وكلا الأمرين يعرضان الأسرة والمجتمع للتصدع.
وأكمل: ومن المشاهد أن بعض الرجال يخطئ في القوامة فهماً وسلوكًا؛ فبعضهم يجعلها سيفًا مصلتاً يمارس به القهر والاستبداد والإكراه؛ فهو في البيت السيد المطاع الذي لا يرد له أمر أو نهي، ولا يناقش في رأي، ولا تشارك في مشورة، وقد يصدر قرارًا بشأن الزوجة يتعلق بمصيرها دون موافقتها، وقد تستغل القوامة للتقليل من شأن الزوجة وتكليفها ما لا تطيق، أو إيذائها ماديًا أو معنويًا أو إهانتها.
وبيّن فضيلته: وبعض الأزواج قصر فهمه للقوامة على تأمين الطعام والشراب والمسكن، ولم يستوعب قدر المسؤولية وحجم الأمانة في القوامة؛ فقد ترك الحبل على الغارب، وتخلى عن المسؤولية الملقاة على كاهله، ونسى أو تناسى أنه مسؤول عنها يوم القيامة، كل همه أنه يأوي إلى بيته للنوم، وما قبل ذلك وبعده يتنقل خارج بيته باحثًا عن جلسة سمر، أو مكان لهو ولعب؛ ضاربًا عرض الحائط بتبعات هذه القوامة، وهذه الممارسات الخاطئة تنشئ أسراً مفككة العرى، ضعيفة البنى، سهلة الاختراق والوقوع في حبائل أصحاب النوايا السيئة والأفكار الهدامة.
وأوضح: فالقوامة تكليف، والتكليف مناط به الثواب والعقاب، فإن قام الرجل بمهام القوامة فهو مثاب، واذا أهملها وقصر فقد عرض نفسه لعقاب الله، وهذا يقتضي تمثل الزوج سمات القيادة وحس المسؤولية، واستشعار قيمة الأمانة التي رفعه الله بها وحمله إياها، يدير دفة هذا الكيان العظيم، بحكم الشرع، يستحضر في المواقف العصيبة الرزانة والعقل، يتحلم في حالات الانفعال، ويتصبر في أوقات الهيجان والغضب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا . وخيارُكُم خيارُكُم لنسائِهِم)؛ وتقتضي القوامة الحث على طاعة الله والترغيب في شعائر الإسلام من صلاة وصيام، والمعاشرة بالمعروف لشريكة الحياة ورديفة العمر،وحسن التعامل، والكلمة الطيبة، وأدب الحوار، عدم تحميلها ما لا تطيق، وإدخال السرور عليها، وجبر ضعفها، والتغافل عن الإخفاق، والتجاوز عما يكدر الصفو، والبعد عن الغلظة والفظاظة، والتجمل لها.
وبيّن: ومن مقتضيات القوامة العدل في التعامل مع الزوجة والإنصاف في أداء حقوقها وواجباتها، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في تعامله؛ ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، يتلطف معهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، فقد سابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان يتودد إليها، يقوم بأمرها وما
تحتاج إليه، وفي الصحيح عنها رضي الله عنها أنها سئلت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يصنع في البيت؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله).
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: ومما يجب أن يعلم أن من مقتضى القوامة قيام الزوجة بواجباتها تجاه زوجها؛ ومن تلك الواجبات، طاعته بالمعروف، وعدم الخروج إلا بإذنه، وعدم إذن الزوجة لأحد يكرهه زوجها دخول بيته، والقيام على شؤون الزوج وأولادهما؛ فشرفها ورفعة قدرها في طاعة زوجها