رحل بجسده وترك لنا روحه

بقلم / د.هيثم محمود شاولي

منذ أن رحل أبي ” محمود عمر شاولي ” رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، كنت محظوظاً عن بقية أخواني بأنني عشت معظم حياتى مع والدي العزيز في منزل واحد ، إذ امتدت هذه العلاقة أكثر من ( خمسوين عاماً ) تحت مظلة وسقف واحد،  فقد عاصرت أبي وهو الأب القوى الحنون ، وعاصرته وهو الأخ الطيب الأمين و هو الصديق الوفي ، وعاصرته أيضًا وهو الابن الحبيب المدلل ..
فكم كنت سعيداً ومستمتعاً بأنني عشت وتعلمت في كل هذه المراحل العمرية المختلفة من حياة أبي ، لقد تعلمت منه القوة و الصبر والحمد والشكر ، وحاولت جاهداً أن أكون تحت قدميه ، فى مقابل كلمة رضا ودعوة صادقة تفتح لي أبواب السماء ،
وعرفانًا منى على ما فعله معنا من حب وخير وكرم منذ بدأنا نشعر بالحياة ..

مرت أربعة أشهر على رحيل والدي الغالي ، ولكنني لم أشعر يوماً بفقدانه عكس الآخرون ، لأن روحي أحتضنت روحه التي تجعلني أشعر بعدم الوحدة أو الغربة، أشعر بوجوده معي ، وأتخيل صورته وملامحه أمامي في كل اللحظات وطيف صدى صوته يرن في مسمعي .. وحين اشتاق إليه يأتيني في منامي ويخبرني إنه بخير وفي مكان جميل وبين أيدي آمنة فيطمئن قلبي ويرتاح ، فكم أنا محظوظ بوجود روحه ساكنة في روحى و قلبي ..
لم أشعر يوماً بأنه غائب عن مكتبته التي كان يقضي فيها جزءاً طويلا من وقته اليومي في كتابة المقالات أو تأليف الكتب ، فقد ترك خلفة إرثًا من الكتب والمقالات التي سطرت ذكرياته الجميلة وحياته التي قضاها في السلك الدبلوماسي والتي كنت محظوظاً ايضاً بمرافقته في كل رحلات عمله، وهذا ما جعلني أتعلم واكتسب منه الكثير والكثير ، وكل هذه الذكريات من مرحلة الطفولة إلى الآن محفورة ومنقوشه ويحتضنها قلبي
وكفيلة بأن أعيش بقية عمري على ذكراها..
وبالرغم من الشبه الكبير فى الملامح اكتشفت بأنى أشاركه حتى الشبه في مشيته وتصرفاته وفى إحساسه ومشاعره وحبه ، لدرجة بدأت أشعر بأنني صورة طبق الأصل لوالدي ، وهذا ما يجعلني أشعر بالسعادة والفخر بأننا أصبحنا روحاً وجسداً واحداً..
مهما كتبت عن والدي فسأظل مقصراً ، فمآثره كثيرة لا يمكن سردها في مقالة واحدة ، فهناك الكثير والمثير في حياة هذا الرجل العصامي الذي بدأها من عائلة فقيرة وبسيطة من مكة المكرمة وصولاً إلى أعلى المناصب في خدمة الوطن الغالي كوزير مفوض بوزارة الخارجية ، فكانت رحلة كفاح ونضال طويلة كالنحت على الصخر بدأت من الصفر من غير وجود أب الذي فقده وهو طفل لا يتعدى الخمس سنوات ..
كانت رحلة كفاح وسيرة عطرة وحياة طويلة شاقة مليئة بالأفراح والأحزان والنجاحات والفشل والدموع والمرض تاركاً خلفه أجمل الذكريات وأروع المآثر التي ستظل عالقة فى وجداننا بقية عمرنا فرحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى وجعل قبره روضة من رياض الجنة.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.