بقلم / د. وسيلة محمود الحلبي*
تعتبر مهنة القبض على الجمر وأعني بها ” الصحافة” والسلطة الرابعة ، والشقاء اللذيذ ، ومهنة المتاعب ، من أكثر المهن قربا إلى نفسي ، فقد عايشتها على ما يربوا على الخمس وعشرون عاما، بل أكثر .
هذه المهنة المتأصلة فيني والتي أخذت من عمري الكثير، وسرقتني من أسرتي وأولادي يزداد عشقي لها ، وولهي بها يوما بعد يوم . ولا يمكن أن أتخيل نفسي يوما دون قلم ودفتر لأدون عليه خربشاتي وأفكاري، وأداعب خيالاتي ببعض القطع النثرية التي يجيش بها خاطري وتتفتح بها أساريري ويسعد بها قلبي .
ورغم مرور تلكم السنوات من عملي الإعلامي في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية الورقية ، لازلت أحن إليها كما يحن قيس لليلاه ، وأشتاق لرائحة ورقها الذي تزهو به النفس ولملمس ورقها الذي أحبه .
ولأننا في عصر التكنولوجيا والتقدم التقني فقد انتشرت الصحف الإلكترونية انتشار النار في الهشيم ، وبتنا نسمع ونقرا لأسماء لم نسمع بها من قبل ، في الصحافة الورقية . فأصبح كل من يصف عددا من الكلمات المتشابهات أو كتب شطرين أصبح شاعرا . وكل من نسخ ولصق خبرا أصبح صحفيا ، وكل من كتب خاطرة معينة أصبح كاتبا ..
وكيف تأتي هذه الألقاب فجأة لا أعرف ؟؟ فمتى صقلت ، ومتى تدربت ، ومتى أخطأت وأصابت وتعلمت من أخطائها وصوبتها ، لا أعرف؟؟ ..
إن هذه الألقاب حتى تصنع ، تحتاج إلى جهد وعمل ومثابرة ، وإحساس ولغة عربية صحيحة، وقراءة مستمرة لتصقل العقول أولا ، وتتذوق الألفاظ وتعي المعاني ثانيا ، إضافة إلى التدريب على الإملاء والصياغة ثالثا، والمهنية رابعا.
صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بين أيدي الجميع دون استثناء ، وأصبح الجميع يدلوا بدلوه فيها ، وأصبحنا نقرأ أخبارا كثيرة ، ونرى أحداثا مثيرة ، ولكنها ليست صحافة . وليس كل من ينشر فيها أصبح صحفيا . فالصحافة ميدان واسع يمارس به الصحفيون أعمالهم كل بحسب كفاءته ، وما يتمتع به قلمه من مواصفات، وعقله من أفكار إبداعية جذابة ومثيرة .
وانطلاقا من هذه البيئة المهنية ، فإن الصحافة مهنة لا تقبل الضعفاء والبلداء وإن حدث وقبلتهم خطأ ، أسرعت إلى نبذهم حتى لا يكونوا عالة عليها وعلى مجتمعهم .
فالصحافة تخاطب العقول بمختلف مستوياتها، فهي الكلمة الموثقة التي تطالع القراء كل يوم بمختلف أنواع المقالات والأعمدة والقصائد الشعرية والفنون المتنوعة والتحقيقات والأخبار، وغيرها من الفنون الصحفية المختلفة. والإعلام بصفة عامة يسعى إلى تنمية الفكر ويزيد من المعرفة والتفاهم ويعمل على محو الأمية، فوسائل الإعلام تقوم مقام المؤسسات التربوية المكملة لدور المدرسة والمنزل ودور العبادة. فيتوجب علينا كصحفيون وإعلاميون الصدق والدقة والحيادية ، وقول الحق وتوخي الأمانة فيما نكتبه وننشره في وسائل الإعلام المختلفة .
ألم أقل لكم في البداية إنها ” مهنة القبض على الجمر” .
* سفيرة الإعلام العربي
* عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
*عضو اتحاد الكتاب والمثقفين العرب