( تدمير الذات )

بقلم / د.هنيدة بنت نزيه قدوري

تستوقفني أكثر المشاكل التي تتطلب مني استشارات تربوية أو أسرية أو تعليمية تكمن أسبابها الداخلية في مقارنة الأشخاص بغيرهم، فنجد هناك نماذج مختلفة في المقارنة فقد تقارن الزوجة زوجها بأبيها في الحنان والدلال وتلبية الاحتياجات المادية أو بأخيها أو زوج أختها في معاملته لزوجته أو توفير الأثاث أو المسكن أو حتى في الترفيه من سفر ومطاعم وغيرها أو العكس.

قد يقارن الزوج زوجته بأمه في الطبخ والتربية والاهتمام والرعاية، أو قد يقارن الطفل بطفل آخر كأخيه أو أحد الأقارب في التفوق أو الهدوء أو الإبداع ،أو غيرها من المقارنات دون التركيز على قدرات وإمكانات كل طفل ومهاراته العقلية والجسدية والصحية والنفسية والبيئة المحيطة به وبالتالي خلق عداوة بين الأطفال والابتعاد تدريجيًا عن الوالدين وفقدان الثقة بالنفس والخوف من السخرية وانعدام احترام الطفل لذاته بالإضافة إلى تعرض الطفل للإجهاد النفسي والعاطفي الذي يشعره بعبء ثقيل يكون غير قادر على تحمله بسبب المقارنة بغيره.
ومن هنا تبنى معادلة غير عادلة للذات تركز على نقاط الضعف وتجاهل نقاط القوة لذواتنا وتصيد ورصد نقاط القوة عند الآخرين فنبدأ بالحكم على أنفسنا مقابل الآخرين فنقع دائمًا في فخ التقصير واللوم والعتب وأننا أشخاص غير جيدين ونصبح بمثابة الفكرة الخيالية المتكلفة والوهم الذي نصنعه بداخل عقولنا لنحاول أن نكون نسخ مكررة من الأشخاص الآخرين الذين تم مقارنتهم بنا مما يؤذي النفس ويزيد من شعور الاكتئاب والإحباط والتوتر العصبي وبالتالي سيطرة الأفكار السلبية وتدمير الذات وعدم تقديرها والشعور بالدونية وانعدام الطمأنينة والسكينة وعدم الرضا وازدياد مشاعر الغضب والحقد والحسد والنقمة على الآخرين.
لذا علينا أن نستمتع باللحظة الراهنة وما تهديها لنا والتخلص من هدر وقتًا ثمينًا يركز على حياة الآخرين أكثر من حياتنا وإعادة توجيه أنفسنا والمصالحة معها والامتنان بما لدينا من نعم، فقد قال الله عز وجل: “نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”، وقال: “وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ” وعلينا مخالطة الأشخاص الناجحين ، والتعرف على الصعوبات التي واجهتهم للوصول إلى هذا النجاح الذي يبدو لنا خالي من الصعوبات والانتكاسات والمشاكل والعوائق ومن خلالها سنكتشف حياة واقعية للآخرين وأن لديهم مشاكل رغم كل ما يظهر في حياتهم من سعادة.
وعلينا أن نكون أطرافًا محالفة لنجاحات الآخرين ونشاركهم الاحتفال، فعندما نحتفل بإنجازات الآخرين، سنسمح لأنفسنا بإلغاء الحاجة للمقارنة، ومن ثم تقدير رحلتهم وتضحياتهم والاستفادة من خبراتهم والسعي إلى تحقيق أهدافنا بالتركيز على نقاط القوة التي منحها الله لنا واكتشاف مواهبنا وقدراتنا ومهاراتنا المميزة عن غيرنا، كما يمكن البوح بمشاعرنا والاستعانة بمختصين يساعدونا على التخلص من دائرة المقارنات التي لن تنتهي لأننا دومًا سنجد من هو أفضل منا
وليكن شعارنا (كن أنت ولا تكن نسخة عن الآخرين)
Be you and don’t be a copy of others

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

تعليق واحد

  1. اديب مليباري

    سلمت قلمك على هذه التاملات
    إن قلت شكراً فشكري لن يوفيكم، حقّاً سعيتم لحقيقة واقعية فكان السّعي مشكوراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.