بقلم/ مني حسن
جمهورية مصر العربية
لا أظن ابدا أن عين المحب ممكن أن تكون حسوده.. يقولون إن أي عين يمكن أن تحسد، ولكن أي عين ممكن أن تحسد حسد طفيف.. حسد عادي كأن تعجب بكوب ماء فيكسر أو مفرش سفره فيقطع ونداوي هذا بالذكر (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) لنحفظ أشياءنا وأشياء غيرنا من أعيننا إذا أعجبت بشيء ما إعجاب شديد… ولكن العين التي تحسدك فتتعرض لحادث يسبب لك عاهة ما… أو تحسدك فترسب بالامتحان بعد أن كنت دائما التفوق أو تكون العين فتاكه أكثر فتدخل من حسدته القبر…. هذه ليست عين محب أبدا أو عين عابره نظرت بإعجاب لشيء، ولكنها عين حقودة، كارهة للنعمة التي أنعم الله بها عليك وتمنت زوالها منك فحقدت فحسدت فأتت بَالأخضر واليابس بين طرفة عين وانتباهها…..
أذكر في ذلك ابن قريبتي كان متفوق في دراسته ويحصل على مكافأة شهرية من الكلية وينتظر الجميع أن يتعين بالجامعة بعد أن يتخرج فيها وفي السنة الأخيرة أصيب بحاله غريبه من الصمت والسكون والبلاهة والبلاد واحتارت أمه فيما ألم به وأصحابه وسألته ما بك فقال لها: إني أسمع أصوات كثيرة في أذني وأناس يضربونني.. ذهبت به إلى الأطباء المتخصصون ودخلت مراحل العلاج النفسي وتبدل حال الشاب من متفوق ويشهد له بالمستقبل المشرق لإنسان مريض لاحول له ولا قوة… أتري هذه عين عابرة أعجبت به فحسدته؟
أذكر صديقة لي حياتها الأسرية هادئة ويملأها الحب والحنان أدخلت عندها إحدى الصديقات وكانت عائلة صديقتها هذه مفككه.. اعتادوا الخناق والعراك بين الأم والأب وكان أبوها لا يعرف للمسئولية طريق فلا يدفع مصاريف مأكل، أو مشرب، أو تعليم.. كل دخله على نفسه وملذاته والأم تسعى من عمل صباحي إلى آخر مسائي كي تكفي مصاريفها ومصاريف أبنائها.. وكانت تشيد بوالد صديقتها وما رأته منه تجاه أسرته من حنان وعطف وعطاء وكلما ذهبت لبيتهم وجدته جالس بينهم يزين المجلس بالأحاديث من هنا هناك… وبعد فترة وجيزة جدا وفي الصباح الباكر وبلا مقدمات قاموا لإيقاظ الأب فقد حان موعد استيقاظه ليذهب إلى عمله فوجدوه جثة هامدة بلا حراك وقد فارق الحياه في لحظة… نعم أن الأعمار بيد الله ولكن أيضا الحسد يدخل الرجل القبر وقالوا في الأمثال (من حسدوه عزوه) وقد كان…. صدق الله(ومن شر حاسد إذا حسد) الحاسد يتمنى زوال النعمة من صاحبها والحصول عليها لنفسه وقد يكفيه زوالها وقد ذكر الحسد في القرآن الكريم في مواضع كثيره غير سورة الفلق.. ففي الفتح(فسيقولون، بل تحسدوننا، بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) وسورة البقرة(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق…).
وكذلك ذكر في سورة النساء (أم يحسدون الناس على ما آتاهم….) وقال الفيلسوف الشهير (برتراند راسل) أن الحسد أحد أقوى أسباب التعاسة ولا تقتصر التعاسة على الشخص الحاسد سبب حسده، بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق مصائب الآخرين… كما وردت أحاديث عن النبي تنهانا عن الحسد منها(لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) وأيضا (لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد).. ولذلك فيجب أن نقي أنفسنا وأهلنا من الحسد ونحاربه ونحارب أهله كل الطرق الممكن وأهمها الكتمان والابتعاد عن الحاسدين على قدر المستطاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود وكذلك المواظبة على الأذكار والاستعاذة من شر الحاسدين…. فبالحسد تهدمت بيوت وتفرقت أحباب وضاع أبناء…. فبالحسد تحريك أو تحريق للأشياء عن بعد وهناك حسد محمود وهي الغبطة وتمنى النعمة بدون تمنى زوالها من صاحبها فقال رسول الله (لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا” فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) والحسد لا شيء يشفيه ولا شيء يثنيه عن ضميره المريض.. فإذا بكيت حسدك لأنك تملك دموع تهمرها.. هو دائما يراك ذو نعمة عظيمه… يحقد على أنفاسك ويظن أنك أخذت منه الهواء وقد قال الشاعر
اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله