محمد الرياني
تفاءلتُ كثيرًا وموظفُ الصحةِ يعطيني الرقم ١٥، دخلتُ منهكًا أتوكأُ على الهواءِ بلا عكاز، حاولتُ أن أُوَفِّقَ بين حالةِ اللاتوازن عندي وهذا الرقم فلم أستطع، الرقم ١٥ عندي يعني لي أن القمرَ في قمةِ إطلالتِه والسماءُ من فوقِه تكادُ تنطقُ بالنور، أقلِّبُ البطاقةَ التي مُلئتْ باللونِ الأحمرِ وكُتبَ عليها ١٥، قلتُ هذا لونُ وَجْنتيْ فتاةٍ في أولِ شبابها وأنا في هذا العمر ، ما أروعَه من حظٍّ حضرَ في حالةِ وجع! لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على زمنِ الانتظار، نادوني بصوتٍ يشبهُ ملمسَ العافية، تنفستُ الصعداءَ فأنا لا أطيقُ الانتظار، جلستُ في غرفةٍ بيضاءَ بارتياح، منظرُ قياسِ الضغطِ يثيرُ الرعبَ للأصحاءِ فكيف بالذي جاءَ يترنحُ كريشةٍ يلعبُ بها الهواء، أعلنتِ الممرضةُ النتيجةَ بفرحٍ وكأنها تزفُّ لي بشرى النجاح، قالت ١٠٠/١٠٠، كنتُ في غايةِ السعادة، جلستُ لأخذِ قياسِ الطولِ والوزن، قلتُ لها وزني أعرفُه ولستُ متأكدًا من طولي؛ على الرغمِ من أنَّ العكسَ هو الصحيح، قالت لي : وزنك يتناسبُ تمامًا مع طولك، دعتْني للانتظارِ للدخولِ على الطبيبة، خطوتُ خطواتٍ إلى الخلف، نادوني للتوجهِ للعيادة، فتحتُ البابَ فاستقبلتْني لوحةٌ مكتوبٌ عليها اسمُ الطبيبة، ابتسمتُ لحظِّي في يومِ وجَعي، اسمُها يحملُ البِشرَ والطمأنينةَ قبلَ صرفِ الدواء ، قلتُ لها: إنَّ حظِّي اليومَ مثلُ ليلةٍ قمرية، حظِّي اليومَ ينطقُ بالنور، أكادُ أسلبُ كلَّ الصحةِ من جنَباتِ هذا المكان، صرفتْ لي العلاجَ بعد الشرح، تبدَّلَ صوتي المبحوحُ وتغيَّرَ للأحسن، ارتفعتْ درجةُ الرجاءِ عندي وأنا أرفعُ يديَّ شكرًا لمن ينزلُ الشفاءَ ، غادرتُ المكانَ وأنا أحملُ البطاقةَ بلونها الأحمرِ القاني، تحركتُ بخفةٍ وأنا أخطو بقدميَّ وأتأملُ وزني وطولي وهما في القمة، لوَّحتُ لمَن في الاستقبالِ بسلامِ الوداع، صاحوا عليَّ وهم يبتسمون: لقد نسيتَ الرقم ( ١٥ ) في جيبك، هناك مريضٌ آخرُ قد يحتاجه في زمنٍ لاحق!