د. عبدالله بن معيوف الجعيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي البشير وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لقد جاءت الشريعة الإسلامية كما بين العلماء لتبين لنا المنهج السوي للحياة، وقد أكد العلماء أن الشريعة جاءت برعاية مقاصد تهدف إلى الحفاظ على ضروريات لا تستقيم الحياة بدونها، وقد تمثلت هذه الضروريات في كل ما يتكون منه الكيان الإنساني بشقيه المادي والمعنوي، وهذه الضروريات هي الدين والنفس والنسل – ويدخل فيه العرض – والعقل والمال.
وجاء حفظ الشريعة الإسلامية لضروريات الحياة على مستويين وهما مستوى الرعاية ومستوى الحماية، وبالنظر إلى هذين المستويين ندرك أن مستوى الرعاية إنما يتمثل في السعي نحو تحقيق غاية الإنسان المؤمن في الحياة وهي عبادة الله عز وجل وعمارة الأرض وفق مرضاة الله، وأما مستوى الحماية فيعني البعد عن المؤذيات والأضرار والوقاية منها، وذلك لضمان تحقيق الإنسان المؤمن للغاية من خلقه بما يوافق شرع الله عز وجل وما بينه في كتابه العزيز وما جاءت به سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن للعقل مركزا محوريا هاما من بين الضروريات الخمس؛ إذ لا يستقيم غيره إلا باستقامته، فالتدين بالدين وحفظه لا يتأتى بدون العقل، ولذلك كان العقل مناطا للتكليف وكان شاهدا مع الشرع لله على خلقه، ومن ثَمّ لا يمكن تعارض العقل الصريح مع النقل الشرعي الصحيح؛ لأن الشاهدين إذا تعارضا تدافعا، وإذا تدافعا تساقطا، وإذا تساقطا فاتت الحجة بهما، والعقل هو المخاطب بنصوص الشرع التي هي قوام الدين وأساس التدين، ونبراس المتدينين، و النفس البشرية إذا لم يحكمها العقل جمحت وألحقت صاحبها بالبهائم، بل ربما نزلت به إلى مستوى أدنى من مستوى البهائم كما قال الله عن الكفار «إنْ هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا» ، وكذلك لا يمكن حفظ النسل والمال إذا فسد العقل، وقد شرطت الشريعة إيناس الرشد من اليتامى لدفع أموالهم إليهم، ووقَّتت ذلك ببلوغهم النكاح الذي هو سبيل النسل ووسيلة حفظ العرض ، وبغياب العقل يفقد الإنسان القدرة والأهلية على الالتزام بالشرع، وضبط النفس والاتزان والاستقامة في مناحي الحياة كلها.
ولما كان الدين الإسلامي خاتم الأديان والظاهر عليها، فقد كلفت الأمة الإسلامية بالدعوة إلى الله وهداية الناس إلى عبادته، وهو ما جعل أعداء الأمة يسعون بكامل جهودهم لمهاجمة الدين من خلال الترويج للفتن ولكل أمر من شأنه أن يورث الأمة إخلالا بهذه المهمة العظيمة، ويفسد عليها دينها ودنياها، ويختطف منها قوامها، وتعتبر المخدرات من أخطر الوسائل الخبيثة التي يتم الترويج لها بشكل واسع في عالمنا الإسلامي، مؤثرة بشكل كبير على واقعنا، وأصبحت من المخاطر التي تهدد مستقبل أمتنا وأجيال المستقبل.
ومن ينظر إلى المخدرات بمختلف أنواعها ومنتجاتها يرى بما لا يدع مجالا للشك ما لها من آثار خطيرة وكارثية، فللمخدرات الكثير من المخاطر التي تؤثر على الضروريات الخمسة التي جاءت الشريعة الإسلامية بحفظها وحمايتها، ولا شك أن تعاطي المخدرات والترويج لها من الأخطار المهددة لاستقامة الحياة دينا، ودنيا، ومن صور عدم المبالاة بأحكام الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الكثير من أشكال الفساد والإضرار والإخلال بالضروريات الخمسة.
ويكمن الخطر الأكبر في المخدرات فيما تؤثر به على الأفراد من ذهاب العقل واختلاله بما يعود على سائر الكليات الخمس بالاختلال والفساد، وقد أكد العلماء والأطباء اكتشافهم للكثير من الآفات التي تصيب أجسام من يتعاطى المخدرات، فآثار المخدرات السلبية تؤثر على الدماغ والقلب وغيرهما من أعضاء جسم الإنسان وتؤدي إلى ظهور الكثير من الأمراض الخبيثة ومن بينها السرطانات بأنواعها المختلفة.
ويجدر بنا أن نؤكد على أن تعاطي المخدرات يؤدي بالمتعاطي إلى فقدان كرامته الإنسانية؛ إذ يصبح باختلال عقله وتفكيره فريسة لتجار الوهم والسراب والموت، وأداة للدمار والتدمير للدين والأخلاق والسلوك، ويفقد القدرة على اتخاذ القرارات السليمة.
إن الحديث عن المخدرات وآثارها الخطرة يطول، ولا يمكن أن نجمل الحديث عن أخطار المخدرات فضلا عن تفصيله وبسطه في مقالة واحدة، وقد فهم العلماء من نصوص الشريعة ومقاصدها تحريم المخدرات بناءً على أدلة متعددة من القرآن والسنة، منها/ قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقوله أيضًا: (ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، ومن السنة كثير كقوم أم سلمة رضي الله عنها: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفَتِّر)، والمخدرات خبيثة ضارة مسكرة.
ولما لها من الآثار الكارثية على أمتنا وشبابها، فلا بد لنا من أن نعمل جاهدين على توعية أبنائنا وإخواننا وتحذيرهم من هذه الآفة العظيمة ومخاطرها الجسيمة، وأن نعمل على اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها أن تقيهم من الوقوع في مستنقع المخدرات والانجرار إلى توابعها التي تقود إلى فساد الحياة والموت بطريقة بشعة في نهاية المطاف، ومن أهم النصائح التي يمكن تقديمها للوالدين والأهل والأصدقاء لحماية أبنائهم وإخوانهم:
1. اختيار الأصدقاء الصالحين؛ فالوقاية من المخدرات تبدأ من اختيار الأصدقاء الصالحين أصحاب الأخلاق الرفيعة، وكذلك البعد عن أصدقاء السوء الذين يحثون أصدقاءهم على أفعال السوء والممارسات غير الأخلاقية التي من بينها المخدرات.
2. الصلابة النفسية أمام ظروف الحياة، فلا شك أن الإنسان يتعرض في حياته إلى الكثير من الضغوطات والأحداث السلبية، ولكن يجب أن يحرص الإنسان على مواجهة هذه المواقف بصلابة وبوعي وأن يعلم أنها اختبارات من الله عز وجل وأن عليه أن يصبر ويحتسب وألا ينجر إلى المعاصي التي تذهب عقله لتنسيه ما يمر به من ظروف ومصاعب مثل المخدرات والخمور.
3. التوعية المستمرة، فمن الضروري أن يعلم الإنسان أخطار المخدرات وأضرارها على صحته وعلى أهله ومجتمعه وأن يثقف نفسه باستمرار للوقاية منها، وكذلك يمكن أن يضع الإنسان ضوابط للالتزام بها سواء هو أو أفراد أسرته لحماية نفسه وحمايتهم من المخدرات.
4. ممارسة الهوايات المباحة النافعة كالرياضة البدنية وغيرها؛ فإن الفراغ من أكثر مسببات توجه الأشخاص نحو العادات والممارسات السيئة ومنها تعاطي وإدمان المخدرات، وبالتالي فإن شغل هذا الوقت بممارسة الهوايات النافعة المباحة يمكن أن يساعد في الحماية من المخدرات وآثارها الخطرة.