الباحث : عدنان عيسى العمري
طلع البدر علينا .. ذلك النشيد الذي يتردد كل عام في ذكرى الهجرة النبوية يتساءل البعض عن صحته ، وقد تحدث في هذا الموضوع دكتورنا الفاضل تنيضب الفايدي ، وذكر عدم صحته وأؤكد ماذكره الدكتور تنيضب ، كما يؤكد عدم صحة هذا الحديث مارواه البخاري في صححيه في (باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة) من حديث أنس بن مالك وفيه فقيل في المدينة : جاء نبي الله ، جاء نبي الله (صلى الله عليه وسلم ) فأشرفوا ينظرون ويقولون : جاء نبي الله.
وفي حديث البراء بن عازب( ثم قدم النبي (صلى الله عليه وسلم )فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله( صلى الله عليه وسلم) وفي رواية وصعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون : يامحمد ، يارسول الله ، يامحمد ، يارسول الله.
وكذلك لم يشر اليه ابن اسحاق في السيرة.
ويقول الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة :” أما تلك الروايات التي تفيد استقباله عليه السلام بنشيد طلع البدر علينا فلم ترد بها روايات صحيحة ” .
وقال :”علماً بأن الرواية ضعيفة جداً لكونها من رواية عبيد الله بن عائشة ، رواها بسند معضل _ وهو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي_ حيث إن بينه وبين الرسول، عليه السلام “مفاوز” ، وهو المتوفى سنة 228 للهجرة.
وهذا ما أشار إليه أيضا الشيخ الألباني رحمه الله.
والثنية المعروفة هي الثنية الشمالية وهي في الشمال لايراها القادم من مكة ولايمر بها فكيف يذكرون الثنية وهم يستقبلونه في جنوب المدينة!!؟
وكل تلك الروايات الصحيحة لم تشر إلى ذلك النشيد الذي ظهر في القرن الرابع والذين يستشهدون بالنشيد المذكور يختلفون في أبياتها فمنهم من يقول :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا مادعا لله داع
ومنهم من يضيف عليها :
انت يامرسل حقا جئت من أمر مطاع
جئت تمشي رويدا جئت ياخير داع
وأبيات النشيد المذكور أوردها البيهقي في دلائل النبوة فقال أخبرنا أبو عمرو الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي سمعت أبا خليف يقول: سمعت ابن عائشة ، يقول: لما قدم عليه السلام المدينة جعل النساء والصبيان يقلن :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ، وجب الشكر علينا مادعا لله داع
وهناك أبيات أخرى منسوبة للقصيدة وهي:
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
ولم تكن المدينة باسمها بل كانت باسم يثرب ومما يؤكد عدم صحة الأبيات أن نساء الأنصار لم يخرجن في استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم وأيضا الأبيات الشعرية ركيكة لاتناسب وخصائص ذلك العصر.
والقائلين بأن النشيد المذكور كان في قدومه من غزوة تبوك لاتسنده رواية واحدة صحيحة ، فعند قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك لاتوجد رواية صحيحة تذكر هذه القصيدة وتشير إليها.
وأخيرا فإن هذه الروايات الواردة لاتبنى عليها أحكام وليس فيها شيء منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وانما هي من الأخبار التي يتم التساهل فيها خصوصا وأنها اشتهرت بين الناس ، وأصبحت ذائعة الصيت ولاتمس العقيدة فسكت عنها الكثير من العلماء مع عدم ثبوتها.