إعداد/ د. وسيلة محمود الحلبي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ثلاثًا ثمَّ يجيءُ قُومٌ مِن بعدِهِم يتسَمَّنونَ ويحبُّونَ السِّمنَ يعطونَ الشَّهادةَ قبلَ أن يُسْألوها) الترمذي، 2302، هكذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن جيل الصحابة والصحابيات، الجيل الأول الذي زُرعت فيه عقيدة الإسلام، وقِيَمه، ومبادئه، ورافقوا ولازموا الرسول عليه السلام حتى استطاعوا نشر الإسلام في كافة المعمورة.
لعبت الصحابيات دور البطولة في جميع مراحل نشر الدعوة الإسلامية، بدءاً من تلقّي الأوامر والأسس عن الرسول عليه السلام، وتطبيق ونشر هذا الدين، والحفاظ عليه، والدفاع عنه، والتصديق لصاحب هذه الرسالة العظيمة. لم يقتصر دورهنّ على ذلك، بل شاركن في الغزوات جنباً إلى جنب مع الرسول في مواقف مضيئة يشهد لهنّ التاريخ بذلك، حتى ظهرت أول ممرضة في التاريخ إلى جانب الرسول عليه السلام في إحدى الغزوات. ولا ننسى فضل باقي الصحابيات اللواتي قدّمن لنا أفضل مُثُلٍ عُليا نهتدي بنهجهنّ، وليكنَّ نبراساً لنا في هذا الطريق.
سوف أعد كل يوم سيرة لإحدى الصحابيات الجليلات كان لهنّ بصمةً واضحة، ونموذجاً مُضيئاً في التضحية والثبات. لمعت أسماؤهنّ في تاريخنا، نذكر منهنّ:
أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين
أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، وزوجة الزّبير بن العوام، ووالدة الصحابي عبد الله بن الزبير بن العوام. أسلمت في سن الرابعة عشر، وترعرعت على الأيمان والحقّ مُجسّدةً تربية والدها لها. لقّبها الرّسول عليه السلام بذات النطاقين لأنّه حين كان أبو بكر الصديق يُحضّر نفسه للهجرة مع الرسول عليه السلام لم يجد حبلاً ليربط به الزّاد والسقا، فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقّته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي عليه السلام يرى ذلك كله، فسمّاها أسمـاء ذات النطــاقين، وقال لها: (أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة). تمنّت أسماء الهجرة معهما، وكانت تأخذ الزاد والماء للنبي عليه السلام ووالدها أبي بكر الصديق، غير آبهة باللّيل، والجبال، والأماكن الموحشة؛ وذلك لأنها كانت تعلم أنها في رعاية الله. حين هاجرت أسماء بنت أبي بكر من مكة الى المدينة في طريق الهجرة العظيم كانت آنذاك حاملاً بجنينها عبدالله بن الزبير بن العوام، وحين شارفت المدينة وضعت مولودها مع موطئ المهاجرين من الصحابة، فأخذه الرّسول وقبّله، وهلّل به المسلمون، وطافوا به أنحاء المدينة. من مواقفها الجليلة أيضاً حين هاجر والدها مع الرسول عليه السلام لم يترك لهم مالاً، ولما علم والده أبو قحافة برحيله -وكان ما يزال مشركاً- جاء إلى بيته وقال لأسماء: (والله إني لأراه قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه)، فقالت له: (كلا يا أبتِ، إنه قد ترك لنا مالاً كثيراً) ثم أخذت حصى ووضعته في الكوة التي كانوا يضعون فيها المال وألقت عليه بثوب، ثم أخذت بيد جدها -وكان مكفوف البصر- وقالت: (يا أبتِ، انظر كم ترك لنا من المال)، فوضع يده عليه وقال: (لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا كلّه فقد أحسن)، كانت تقصد من ذلك ألّا تُحزِن شيخ كبير، ولا تأخذ صدقة من مشرك. كان لأسماء بنت أبي بكر مواقف عديدة منيرة في تربية أولادها، وقيل إنّها من أجود النساء، فكانت لا تدّخر شيء لغد. توفّيت في الثالثة والسبعين من عمرها.