بقلم / علي الجبيلي
كثيرون يعتقدون أن من يصل إلي المواقع القيادية بمرتبة وزير أو عضو بمجلس الوزراء أو سفيرا أو مديرا لجامعة أو ..أو…
إنما هم أولاد الذوات والنعمة فحسب، ولا يعلمون أن معظم عانى وعانى في حياته وصبر واحتسب في كفاحه بهذه الحياة حتى منحه الله هذه الثقة من ولاة الأمر.. يمكن أن نستزيد في قراءة هذه النماذج عبر مراجعة سير مثل هؤلاء النبلاء لنقف على حقيقة الأمر.
د. أسامة عبدالمجيد شبكشي يرحمه الله الذي غادرنا أمس إلي الرفيق الأعلى ، وقد اعتلى منصب وزير صحة وسفيرا للمملكة في ألمانيا هو واحد من الملهمين العصامين في حياتهم الشخصية.
وقد أصيب بالتهاب رئوي في طفولته ولضعف العلاج الصحي المتوافر آنذاك فقد قاموا بكيه بالنار أملا في شفاءه فكان بعدها يأمل أن يكون طبيبا يعالج الناس ، وبعد كفاح مؤلم استطاع اللحاق بالدراسة في ألمانيا وسكن مع شخص تركي في غرفة صغيرة لا ماء بها ولا معيشة سوى قرص خبز يومي كانا يقتسمانه لأشهر عده واضطر للعمل بعدها في عدة مصانع ألمانية لكسب لقمة عيش منها مصنع غواصات وكانت مكائنه تصدر أصوات قوية جدا ومزعجة أفقدته السمع في إحدى أذنيه، ثم واصل العمل والدراسة وعاد للوطن بعد غربة ١٣عاما.
في ألمانيا عمل بعدها معيدا ثم عميدا لكلية الطب ووكيلا لجامعة الملك عبدالعزيز ثم وزيرا للصحة ثم سفيرا للمملكة في المانيا
الشبكشي نعاه صديقه المقرب الإعلامي الكبير د .هاشم عبده هاشم نعيا مؤثرا في تغريدة تويترية بكل ألم الدنيا وحزنها لما يربط بينهما من علاقة احترام وتقدير، بل كان الوزير شبكشي يستشير د .هاشم في بعض الأمور ويشكي له عند توليه منصب وزارة الصحة من كثير من المشاكل المتراكمة التي يتطلب الأمر التدخل لمعالجتها
وكان د.هاشم يصف الوزير السابق شبكشي بالنزاهة والبساطة والتواضع
أما وزير المواصلات السابق د .ناصر السلوم فقد تحدث في فيلم وثائقي سابق عن د .الشبكشي ، وقال حينما كنت وكيلا لوزارة المواصلات زرت د. رضا عبيد مدير جامعة الملك. عبدالعزيز سابقا في مكتبه ثم انتقلنا لمكتب وكيله حينها أسامة شبكشي ودخلنا مكتبه وكان منشغلا العمل على أحد الأجهزة ولم يرعنا او يقابلنا بأي اهتمام فضايقني هذا الأمر وقلت له ان وكيلك هذا فيه من الغطرسة والغرور بحيث لم يحترم دخولنا في المكتب
فقال لي عبيد … لا عليك الرجل ذو بساطة ولا يتكلف ولكنه صاحب إنتاجية وجاد في عمله
ثم يواصل بعد ذلك فيقول تم تعيني وزيرا للمواصلات ود .شبكشي وزيرا للصحة واصبحنا أصدقاء ويحل احدنا مكان الآخر في حال الإجازة …
في أول مؤتمر صحفي يعقده في جازان في فترة مرض حمى الوادي المتصدع خصني الوزير السابق شبكشي يرحمه الله بتصريح خاص عن هذا المرض وكان يؤنب احد الزملاء إثناء اجابته على. اسئلتي ويخاطبه باللهجة الحجازية ويقول له من باب الدعابة يا واد ..يا واد اختشي ..اختشي يا واد اسكت مانت شايفني أتكلم مع زميلك ؟!!
ثم التقينا به في مؤتمر وزاري موسع برئاسة أمير المنطقة في قاعة الاجتماعات بالإمارة وفيها ألقيت باللائمة على إمارة المنطقة وعلى الوزراء المعنيين الحاضرين في عدم تدارك وقوع هذه الأزمة الصحية ومن ثم إهمالهم مصدر المشكلة وهو بحيرة سد وادي جازان حيث المياه الراكدة من سنوات والبيئة الخصبة لتوالد وتكاثر الفيروس المسبب والناقل الرئيسي للمرض إلا وهو البعوض
وقد أجاب كل وزير بما لديه، وبعد أيام قامت وزارة الزراعة مع الجهات المعنية بتجفيف مياه بحيرة السد هذه …؟!!
وفي إحدى المؤتمرات الصحفية الهامة بقصر الإمارة بحضور شخصية وزارية رفيعة وكلا من أمير المنطقة والوزراء المعنيين وكنا كإعلاميين مشاركين في المؤتمر الصحفي وعلى مقربة منهم … حينما انكسر الكرسي الخشبي الذي كنت اجلس عليه ومن ثم سقطت على الأرض قبل أن يتدخل زميلي ا .جبريل معبر ويقدم لي كرسيا آخر، فما كان من الوزير شبكشي الا أن يلتفت ضاحكا ألي الأمير محمد بن تركي السديري ويمازحه بقوله …يعني المتصدع عندكم وصل كمان للكراسي بتاعة الإمارة ؟!!
فضحك الأمير والوزراء الحاضرون ورفعت هذه الطرفة من الشبكشي من معنوياتي بعد الطيحة المشينة التي لحقت بي أمام هذا الجمع الكبير من الأمراء والوزراء والإعلامين والحضور، وكانت بمثابة ترويقة بعد يوم مجهد آنذاك في التنقل والمتابعة وتغطية الحدث !!!
رحم الله هذا الرجل البسيط المتواضع الذي رأيناه يمسك سراه في العيادات الخاصة أو الحكومية وهو يراجع فيها وكان بإمكان أي طبيب أو إداري من عشرات طلابه الذين درسهم أو أشرف عليهم أن يقوم بخدمته حتى في منزله الخاص أن أراد ذلك ومثل هذا حق وواجب له لكنه زاهد في الدنيا وراغب فيما عند الله.
تغمده الله بواسع المغفرة والرحمة
شاهد أيضاً
خريف جازان وحسرة المزارعين
بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …