مرايا

محمد الرياني

لا أعرف إن كانت المرآة التي تعكس وجهي صادقة أم أنها تصور وجه الشياطين في الغرفة الكئيبة، أثق تمامًا في جمال صورتي، ولا أزال أتذكر أن معي مشطًا مستطيلًا أنيقًا في ظهره مرآة، كنت أتباهى باستدارة وجهي وشعري الأسود الكثيف، أجلس وحيدًا أتأمل روعتني ولم أفكر ساعة الذروة وأنا سعيد أنني سأرى كآبة في مرآة أكبر من تلك التي أحملها في يدي، الأشياء الصغيرة تبدو دائمًا جميلة، الأطفال وهم يلعبون، ضحكاتهم، شقاوتهم، أجزاؤهم الغضة، مزاحهم، وعيونهم البراقة، وعندما يكبرون تتشوه بعض معالمهم عندما يقفون عند المرايا.

كبرت ووقفت عند المرآة وصعقت وكدت أجعلها شظايا ولكن خفت على يدي من الشظايا المتطايرة، لا أزيد، هناك في غرفة أخرى مرآة أخرى، قبل أن أذهب إليها أزلتُ شعري المتناثر في وجهي مثل أوراق يابسة في فصل الخريف، بدأ وجهي يستعيد رونقه وبهائه، في الغرفة الأخرى مرآة جميلة وطفلة صغيرة تبتسم أوحت إلي بطفولتي البيضاء، ابتسمت لها وتسمرت أمام المرآة، وقفت الصغيرة إلى جانبي، شعرتُ بثقة كبيرة، قلت في نفسي لعل الشياطين التي سكنت المكان قفزت من الشباك القريب واتجهت إلى الغابة القريبة، أيقنت أنني واهم بعدما تجلى كل شيء، عادت إلى وجهي روعة طفولته، تناولت مشطًا كهربائيًا بلا مرآة، تدلى شعري على جانبي رأسي، فعلتِ الصغيرة مثلي ومشطت شعرها، تقاسمنا مساحة المرآة، قلت لها من منا الأكثر جمالًا؟ ، ابتسمتْ وهي تشهق وتشير إلى نفسها، ضممتها، قلت لها : كنتُ يومًا مثلك، وضعتْ يدها الصغيرة حول رقبتي وهي تضمني ببراءة، لم أغبطها لأنها كانت بالفعل رائعة، عيناها البريئتان قالت دون وعي إنها تشبهني تمامًا، صغيرتي الجميلة أخذت كل وسامتي، سامحتُ المرآة لأنها تحب صغيرتي أكثر مني، كنت واثقًا من أن العمر لم يرسم على سطح المرآة كل تجاعيدي ، أطلتُ النظر في وجه الصغيرة وهي تتأملني بإعجاب، وفي نفسي دعاءٌ بأن تبقى ملامحُ طفولتِها ولا تتغير كما أنا..

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

جُرْحُ الْهَوى

محمد النعمي – بيش أمَا زَالَ وَجْهُكِ حُلْمَ الُمَرايا وَعَيْنَاكِ يَرْنو إلَيْها الْكَحَلْ وَهَلْ مَا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.