محمد الرياني
فتحَ عينيه المشبعتين بالفرح، عاش حلمًا سعيدًا، تذكَّرَ تهاني التي التقاها مرةً واحدةً ولم تغبْ عن مخيلته، استولتْ على مساحةِ الصورِ الجميلةِ التي ظلتْ تسكن وجدانَه عمرًا طويلًا، تحوَّلَ قاعُ عينِه إلى مسرحٍ أبيض من الفرح، أبصرَ أهدابَه مثلَ ستائرَ مخملية في غايةِ الحسن، وقف إلى جوارِ تهاني في زفَّةِ الفرح، قالَ لها : لم أصدِّقْ عينيَّ اللتين رأتكِ مرتين مرةً دون موعدٍ والثانيةَ الآن، مشى معها خطوةً خطوة، امتلأ مسمعَه بالنشيدِ المبهج، تهاني الاسم الجميل الذي سيرافقه بقيَّةَ العمر، وتهاني الأنشودة التي رافقتْ ليلةَ العمر، التزمتِ الصمتَ وهو يسردُ لها فرحتَه، بدتْ في غايةِ الجمالِ والرقة، لم ينسَ وهو يضعُ يدَه في يدِها أن يُقبِّلَ كفَّها ويتأملَ نقشَ اسمِه على باطنِ كفيها، فتحَ عينيه أكثرَ ليرى الحقيقة، اكتشفَ أنه في حُلم ، سألَ نفسه عن لحظاتٍ رأى فيها جنَّةَ عرسٍ لم تمرَّ عليه، أو يضعَ قدميه على فردوسِها، تنهَّدَ بحسرة، نادى باسمها، تهاني… تهاني، لم يجد غيرَ صدى الغرفةِ الموحشةِ التي اعتادَ أن يهربَ إليها، سمعَ صوتَ الأطباقِ التي يتكررُ سقوطُها، وإغلاقَ النوافذِ بعنف، نادتْ عليه بأن يأتي حالًا، هرعَ من فوره وقد امتلأتْ عيناه بالدموع، أخذَ منديلًا ورقيًا ومسحَ مقلتيه، أخطأ وهو يناديها بتهاني ، تساقطت المزيدَ من الصحونِ من فحيحِ الموقفِ وردَّةِ فعلها، دفعتْه وأغلقتِ الباب، عاد إلى وحشتِه لعلَّ مسرحَ عينِه يضيءُ عن حلمٍ جديد ، رأى الحلمَ يتكررُ في بياضِ رؤيتِه، جاءتْه رسالةً من تهاني تطلبُ منه أن يباركَ لها خطوبتَها، أغمضَ عينيه حتى لا يرى المسرح ، ابتلعَ مرارةَ الحزن، عاد ليستمعَ لصوتِ الأطباقِ والشظايا المتناثرة ، مسحَ الرسالةَ حتى ينسى أحزانَه، ظلَّ يفتحُ عينيْه ويغمضُهما كي يرى تهاني أخرى لم تضعْ يدَها في يدِ غيره.