روافد ـ المحامي والمستشار القانوني عوض بن أحمد العلوي
تهدف الدول لدراسة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وآلياته في تطوير المنظومة القضائية بها، ومن ثم فقد تلاحظ سعي بعض الدول لاستبدال المعادلة الرقمية مقابل العقل البشري وذلك على افتراض مسبق أن ذلك يضمن قضاء محايد ونزيه.
وكانت الخوارزميات القضائية هي سبيل الدول لتحقيق ذلك والخوارزمية عبارة عن أداة تبنى على الخوارزميات الحسابية ومعادلاتها والهدف من ذلك الوصول لأفضل حكم قضائي ممكن موافق تماما لظروف الواقعة بحيث يضمن ذلك عدالة ناجزة ودقيقة.
فلا شك أن الذكاء الاصطناعي له تطبيقات واسعة في المجال القانوني سواء في الحلول الموضوعية بتحديد الوقائع وآلية تطبيقها وكذا بنود المسؤولية في العقود وغيرها من الأمور، ولكن تبقى معضلة الذكاء الاصطناعي الرئيسية وهي فقد المنطق وليس لقدرات الحوسبة المتعلقة بالحاسوب.
بيد أنه يعتقد – مع تقدم التكنولوجيا في المستقبل – أن تلك المشكلة ستحل عاجلاً أو آجلاً خاصة مع تركيز الأبحاث على الكمبيوتر الكمي والبيولوجي مما سيكون له الأثر الأكبر في تغير وجه الحياة في كوكب الأرض، ولكن حتى مع استخدام الأنواع المختلفة من الخوارزميات سيظل التخوف موجوداً، ومن ثم القيود على عملية التطبيق، لأنه وببساطة ما نطلق عليه ذكاءً اصطناعياً ليس مرادفاً دقيقاً فنحن في الحقيقة أمام مركب من خوارزميات تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية، وبالتالي فإن الاعتماد بالكامل على الذكاء الاصطناعي في اعتماد الأحكام القضائية أمراً غير مقبول وستحتاج الأحكام لسلطة القاضي في المراجعة وسلطته التقديرية في التدقيق، فإن كان الذكاء الاصطناعي سيكون مستقبلاً عاملاً مساعداً للقضاة في تحقيق العدالة إلا أنه لن يلسب منهم سلطاتهم التقديرية في التعديل والفصل النهائي تقرير صحة الأحكام.
أهمية استخدام التقنية الحديثة :
مما لا ريب فيه أن التقدم العلمي والتكنولوجي هو سبيل تقدم البشرية وتحقيق مستوى أفضل من رفاهية الحياة، بيد أنه في ذات الوقت يحمل بين طياته مخاطر لا يُمكن الاستهانة بها بحيث أنها تهدد حقوق الأفراد وأمنهم والقيم التي يعتنقونها، والهدف الذي يرنوا إليه صناع القرار هو الاستفادة من التقدم التكنولوجي في القانون دون أي مساس بالقيم والحقوق وحريات الأفراد الأساسية، ومن هنا كانت أهمية وجود ضوابط قانونية يعمل في إطارها الذكاء الاصطناعي بشكل خاص والتقدم التكنولوجي بشكل عام .
التقاضي الإلكتروني كبداية للانتقال للذكاء الاصطناعي القضائي :
أدت الضروريات الحالية في المملكة العربية السعودية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات في المحاكم وذلك بظهور ما يُطلق عليه : المحاكم الإلكترونية.
فالتقاضي لم يعُد يستلزم تلك الشكليات الإجرائية التي تتطلب تقديم سندات ورقية ملموسة ، فبمجرد تنظيم تقني معلوماتي يتم رفع دعوى المتقاضين وتقديم أدلتهم وحضور جلسات المحاكمة عبر منصات إلكترونية تمهيداً للوصول للحكم وتنفيذه.
والمنصات الإلكترونية عبارة عن نظام معلوماتي يسمح للقضاة بالاتصال بالمتقاضين دون ضرورة حضورهم الشخصي، فتسجيل الدعوى وتسليمها يتم بشكل إلكتروني عبر شبكة الإنترنت، وكذا بقية المستندات كالعرائض وتقارير الخبرة إضافة إلى دفع الرسوم، وإضافة إلى الميزات السابقة فنظام التقاضي الإلكتروني يتيح شفافية الحصول على المعلومات وسرعة الحصول عليها.
نموذج لخوارزمية ذكاء اصطناعي تم ابتكارها :
تُعتبر خوارزمية كومباس 15 أو compass 15 خوارزمية قامت شركة تدعى نورث بوينت بابتكارها، وقد تغير اسم الشركة فيما بعد إلى EQUIVANT ، وكان الهدف من إنشاء الخوارزمية هو قياس درجة خطورة المتهمين وبناء على ذلك يتم تحديد القرار القضائي المناسب لكل منهم، سواء فيما يتعلق بفترة الإفراج قبل المحاكمة أو بمدة العقوبة، أو بمدى إمكانية قيام المتهم لارتكاب الجريمة.
وتستند تلك الخوارزمية في عملها لعملية حسابية معقدة أو إن شئت الدقة بالغة التعقيد يُطرح فيها كافة عناصر القضية ومدخلاتها وعوامل خمسة هي :
• السلوك الإجرامي.
• الحياة الاجتماعية.
• تاريخ العائلة.
• الشخصية والتوجهات.
• أسلوب المعيشة.
وهذا النمط هو ما يساعد الخوارزمية في التعامل مع مختلف القضايا، وهو أمر دفع ولاية مثل فلوريدا وميتشجن الأمريكيتين للأخذ بتلك الخوارزمية في تحديد مدة العقوبة وكذا التدابير والإجراءات الوقائية التي تتخذ في مواجهة أحد المتهمين.
ونشير أن المعادلة التي بنيت عليها الخوارزمية تتخذ شكلاً أو نمطاً محدداً وصورة رقمية معينة،
وفي تطبيق للخوارزمية على قضية stste v. loomis أمام المحكمة العليا لولاية ويسكونسن عام 2016 – وهي قضية تتعلق بالسرقة – وقد اعترض الدفاع على بعض أخطاء الخوارزمية ، وفي نص الحكم أشار القاضي إلى خطورة الاعتماد الكامل على نتائج الخوارزمية نتيجة لوجود عديد الملاحظات حول دقتها، كما أشار لضرورة أن تخضع القضية لتدقيق وتمحيص من القاضي وفق سلطته التقديرية.
الخاتمة والخلاصة :
نستنتج مما سبق أن الرغبة في تعميم الذكاء الاصطناعي على كافة التطبيقات وخاصة الشق القضائي أمراً وجب أن يؤخذ بمحمل الحيطة والحذر، نظراً للسلبيات والمثالب التي لازال يعاني منها الذكاء الاصطناعي، والذي لا يُمكن الاعتماد عليه كلياً للاطمئنان لجودة الأحكام القضائية وإنما يكون الأمر بحاجة لتدخل دقيق من قبل القاضي وفق سلطته التقديرية لتعديل أي عوار تتسبب به خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وبالتالي فلا يُمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي إلا كوسيلة مساعدة للقاضي أو أداة تساعده في سرعة الإنجاز وتحليل معطيات بعض القضايا.