بقلم ـ محمد الرياني
شيئان عظيمان ليلةَ خميس، القمرُ يستعدُّ لأن يكون بدرًا وقد سطع فوق البحر، والبحرُ يتألق فرحًا وسطَ الضياء ، سطعتْ بجواري ولم تكن معلقةً في الفضاء كما القمر ، بدتْ مخلوقًا وديعًا وهي تحملُ كرسيًّا فاخرًا ثقيلًا يفوقُ وزنها ، لم أستطع فهم ما يحدث ؛ كانت أعظمَ من عمرِها الغض، جاءت لتصنعَ الحدث، جلستُ على الكرسيِّ بكلِّ ارتياح، شعرتُ أن نسائمَ البحرِ انسلَّتْ من الجميعِ لتستقرَّ عندي ، رسم البدرُ على البقعةِ الصغيرةِ التي أجلس عليها دائرةً قمرية، الكرسيُّ الأبيضُ كان فخمًا للغاية، ظهرَ قميصي الأخضرُ مثلَ نخلةٍ تتوزعُ الأنوارُ بين سعفاتِها، جلستُ بانزواءٍ أمامَ أنظارِ الذين ملأوا المكان وقد عانقتْ مشاعرُهم جسدَ المساءِ القمري، رونقُ التي غادرتْ روحُ أبيها الأرضَ بلا رجعةٍ فتركتْ جسدَه وصعدتْ لتستقرَّ حيث تجتمعُ الأرواحُ ، في الثالثةِ من عمرها اخترقَ رصاصُ الغدرِ بدرًا في سماه ، أظلم المكان وسكنتِ الأحزان، نزفَ الجرحُ الذي لم تنفعْ معه البلاسمُ ويمضي العمرُ ويبقى ألمُ الفراق ، دمعتْ عيني على الرغمِ من الكرسيِّ الوثيرِ الذي استرخى على رمالِ البحر ، بقيتُ أتأملُ القمرَ وأتخيلُ الرحيلَ المر ، تمنيتُ لو أنَّ الدموعَ انهمرتْ كمساحةِ البحرِ حتى تُستعادَ الأبوُّةَ المقتولة، قلتُ لنفسي وأنا أغالبُ دموعَ عيني: إن لـ (رونق) وطنًا سيزرعُ أبوةً مكانَ الأبوةِ المفقودة، ويسقي الصغيرةَ ليرتوي حلمُها الطفولي، غادرتُ المكانَ ولايزالُ الكرسيُّ في مكانه ، توارى بياضُ المكانِ ولم تغبْ اليدُ الحانيةُ التي دعتْ مُتعبًا للجلوس.