محمد الرياني
قلتُ لها عبرَ الهاتفِ بإنجليزيتي المتواضعة good morning, قالت لي : صباح الخير، منذ زمنٍ لم تصبِّح عليّ، بعد هذا الهجر تعود إليّ بلغةٍ غير لغتك، أنتَ الذي قلتَ لي يومًا سأمشي من حيث أنا إلى حيث أنتِ، دمعتْ عيني، تذكرتُ أني وعدتُها بأن أظلَّ وفيًّا لها في الحبِّ حتى بعد مئةِ عام، قالت لي يومًا وقد انتصف النهار: هل أفطرتَ يا… ؟ قلتُ لها : لا، كنتُ جائعًا بالفعلِ ولا أعلم ما الذي يناسب معدتي التي يتعبها أي شيء، قالت تحديدًا : اشترِ عصيرًا طازجًا وساندوتشًا مشكلًا وسأتأكد بعدَ قليلٍ أنك فعلتَ هذا، ندمتُ على أن صبَّحتُ عليها بـ good morning وهي التي تحبني بكل مفرداتِ العربية، وأنا الذي وعدتُها بأن أسيرَ نحوها مجاورًا للشمس مع إشراقها، أتفيأ الظلال الباردة، تقطرُ على رأسي قطراتُ الندى من الأوراقِ الندية، ما أروعَ صوتها الرخيم عندما تقول صباح الخير وكأنها تتلو عليَّ قصيدةَ حبٍّ وُلدت مع الصباح وقبل أن تشرقَ الشمسُ وتغازلَ العصافيرُ العصافير، اختفتْ عني فجأة! نسيتْ هي صاحبتها الفاتنة، ونسيتُ أنا خطواتي التي وعدتُها بها حتى أصل إليها، شقُّوا حفرتين من أجل أن نكون شهداء الصباح بلغتينا، وأن تختفي الأفواهُ التي تحاكي العصافير، في آخر أيامِ الجوع، شعرتُ بالجوع بالفعل، سألتُ نفسي ماذا أفطر هذا الصباح؟ مررتُ بجوار محلٍّ يبيع العصيرَ الطازج، حباتُ البرتقالِ تَبرزُ من الزجاج، تذكرتها، لم أتمالكْ نفسي من البكاء، دخلتُ المحل، طلبتُ ساندوتشًا مشكلًا من الغذاء، سألني عن العصير، أشرتُ إلى حباتِ البرتقال، أكلتُ حدَّ الشبع، خرجتُ مستعجلًا وكأن صوتًا يناديني، يقول صباح الخير، اصطدمتُ بالباب وببعضِ الزبائن، سمعتُ أحدَهم يتمتمُ بعباراتٍ غيرِ مفهومة، ظننتُه يقول : هذا يفكر أو هو مهموم ، لم ألتفتْ إلى ما يقوله الباقون، بدأتُ أخطو نحو اللامجهول، لا أدري هل أفي بوعدي وأذهب إليها، أم أنتظرها لتقول لا مجال لأن تعودَ الأيام، لقد كبرنا، لقد أفسدتِ الشمسُ حباتِ البرتقال، لن تشربَ عصيرًا مهما كنتَ جائعا.