بقلم الشيخ: نورالدين محمد طويل
إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا
الإنسان هو من يصنع الأحداث ، فبمرور الأيام تبقى تلك الأحداث تسجل حياة كريمة لصاحبها أو غير ذلك .
وعندما نعود الى الوراء نجد أن جزر القمر من الدول التي تفتقر إلى البحث عن عظمائها وقادتها في التاريخ ، لذا نجد ان الكثير ممن يكتبون عنها تارة يستخدمون التلفيق والتزوير لسوء نواياهم حتى استطاع الناشئ اليوم لايدري حقيقة آبائه وأجداده ولاسيما من قاموا بخدمة المجتمع الذي يعيش فيه اليوم .
ومن الخفايا التي غابت عن أذهان الكثيرين من سكان جزرالقمر اليوم دور أسرة السلطان سيد علي المسيلي العلوي في العمل لمصلحة جزرالقمر ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيا ، وهو أمر لابد من الباحثين أن يعودوا إلى التاريخ لقراءة ذلك ، حيث هناك من كتبوا ذلك بصدق وامانة.
هذه الأسرة الكريمة التي ينتمي إليها السلطان سيد علي المسيلي العلوي هي هاجرت من حضرموت في اليمن إلى شرق افريقيا لنشر الإسلام ، فكانت جزر القمر لها حظ في أن تكون ضمن بلاد شرق افريقيا التي استقرت فيها هذه الأسرة.
فمن هنا نجد أن آخر سلاطين جزر القمر سيد علي المسيلي العلوي (١٨٥٥-١٩١٦)من تلك الأسرة الكريمة التي لها آثارها العظيمة في تاريخ جزر القمر.
وهذا السلطان استطاع بعض الأطراف المعادية للسلطان تزييف الحقائق الثابتة عنه مما أدى إلى أن تختار الكتابة عنه حفيدته الباحثة الذكية والمؤرخة الدقيقة والمحللة السياسية الامينة الاميرة ثويبة بنت سيد عمر المسيلي العلوي سفيرة جزر القمر سابقا لدى اليونسكو في كتاب قيم مستقل .
ومما يؤكد لنا دور أسرة السلطان في خدمة جزر القمر كون الاميرة ثويبة بنت سيد عمر المسيلي العلوي كانت سفيرة جزر القمر لدى اليونسكو (١٩٩٦-٢٠٠٦)ومن حسن الحظ حدثتني حفيدتها مباشرة :أنها كانت في زيارة عمل في جزر القمر برفقة مديرة اليونسكو سابقا (كويشيرو ماتسورا) وذلك في عام٢٠٠٤ واثناء زيارتنا للمركز الوطني للتوثيق والبحث العلمي وجدنا صورًا للسلطان سيد علي فيه بملامح مختلفة ملابسه ممزقة بجلوس لا يليق برجل ذي مكانة مرموقة فمن هنا ادركت انه من الواجب علي البحث عن حقائق السلطان من خلال الوثائق الموجودة عندنا في البيت وكذلك من الرجال الثقات الذين يلتزمون بالصدق والأمانة ،
وهذه الأخت تملك قدرة كبيرة في دحض شبهات الحاقدين على السلطان اثبتتها في كتابها عن السلطان كما تقول في حديثي معها( كتابتي للكتاب ما أردت الشهرة ولكن اردت الوصول إلى الحقائق المجهولة عن السلطان ، لقد أُشير إلي أن هناك ممن كتبوا عنه وعلى سبيل المثال مؤرخ فرنسي (جامرتن) فوجدت ماكتبه لاينبغي أن يكون صحيحًا ، بين ذلك أنه ماكتبه تم نقله من بعض القمريين ، الذين أغلبهم ممن أخذتهم العصبيات والنعرات ، فأقاموا مسرحيات في السنوات الماضية يمثلون شخصية السلطان من انها شخصية جامدة غير منفتحة، وهو الكذب بعينه ، فما يوجد في هذا الكتاب من الرسائل والوثائق يفند ذلك ، لانني لم آخذ إلا ماكتبه معاصروه ، وكان عملي في منتهى السرية ، حتى الكثير من الإخوة والأخوات استغربوا عند صدور الكتاب )،
ومن الخدمات الجليلة التي قدمها السلطان في جزرالقمر حرصه الشديد على المحافظة بالدين الاسلامي الحنيف .
وعند الاتفاقية التي تمت بينه وبين فرنسا في حماية جزر القمر ، المادة الأولى تنص على عدم المساس بالدين الإسلامي الذي ورثناه عن الآباء والأجداد على ضوء المذهب الشافعي المستمد من أهل السنة والجماعة .
ولقد قام أخيرًا بالدفاع عن جزر القمر كما يظهر ذلك في خصومه مع ( همبلو) الذي أراد الاستيلاء على جزر القمر من خلال بعض المزارع فأبى السلطان مما أدي الى تآمر ( همبلو) بالغدر والخيانة ضده فتم نفيه الى جزيرة مدغشقر ومات هناك دفاعا عن جزر القمر .
أما ابنه الأمير سيد إبراهيم (١٩١١-١٩٧٥) فهو إداري في أعلى مستوى ، تقلد عدة مناصب الى ان كان نائبًا في البرلمان الفرنسي ممثلا جزر القمر قبل الاستقلال.
وفي ١٩٧٠-١٩٧٢) تم اختياره بعد وفاة الرئيس سيد محمد شيخ رئيسا خلفا له لإدارة جزر القمر قبل الاستقلال .
وفي عهده تم وضع الحجر الأساسي للمطار الدولي والذي يحمل اليوم اسم مطار الأمير سيد إبراهيم الدولي في هاهاي .
وكذلك فتح المعاهد الثانوية المختلفة في أنحاء جزر القمر .
وهذه الأسرة الكريمة استطاعت ان تثبت نفسها في العمل الخيري في جزر القمر وذلك ان المجمعات الحكومية في وسط العاصمة تم بناؤها على أراضي تابعة لها دون مقابل سوى ابتغاء مرضاة الله.
وأعظم ذلك المسجد الذي بدأ بناءه الأمير سيد إبراهيم ومات قبل ان يكتمل البناء ، فقامت الأسرة الكريمة جميعا بتسليم المسجد إلى المملكة العربية السعودية لبناء كلية الامام الشافعي لتكون هي بداية الحياة التعليمية الإسلامية الأولى على مستوى الأكاديمي .
وجاء ذلك من باب الوفاء والشكر من الأسرة للملكة العربية السعودية التي هي من استقبلت الأمير سيد إبراهيم ضيفًا للحج وبعد الحج مباشرة في ٢٠ديسمبر ١٩٧٥ انتقل الى رحمة الله في مدينة جدة ، وتم نقله بطائرة ملكية خاصة الى جزر القمر لدفنه بين أهله وذويه في مدينة اكوني في جزر القمر ،
واليوم تتجلى أعمال هذه الأسرة وأعظمها ما تقوم بها الباحثة الذكية والمؤرخة الدقيقة والمحللة السياسية العبقرية الاميرة ثويبة بنت سيد عمر المسيلي العلوي من الكتابة ولاسيما في كتابها الأخير (مؤامرات في جزر القمر ) هذا الكتاب الذي اتى ليثبت شجاعتها القوية والحنكة السياسية في ترتيب الأمور وتوضيح الحقائق التي أراد الكثير من العملاء والدخلاء اخفاءها .