بقلم / صَالِح الرِّيمِي
في بداية عام جديد أكتب كلماتي وأعلم أنني لن آتي بجديد ولن أضيف معلومة جديدة لديكم، لكن هي خلجات نفس ومشاعر إنسان أبثها في أسطري المتواضعة، لعلى أن ينتفع بها أحد. أكتب وقد غابت قبل قليل شمس آخر يوم من عامنا الميلادي..
أكتب وقد انتهت قصة عام كامل من أعمارنا، لأقدم لكم واجب العزاء على عام أصرمت حباله وتقطعت أيامه ومرت لحظاته دون أن نشعر بسرعة فائقة، بمرور الأيام وأفول الساعات وانقضاء الدقائق وتفاني الثواني، أقول لكم كل عام وأنتم بخير.
نظرت اليوم إلى التقويم، وتفاجئت عندما رأيت تاريخ اليوم هو 1/1/2023 ميلادي، لست من المحتفلين بأي عيد ميلاد، لأن الاحتفال وهم، وهو احتفال بقرب انتهاء أجلك، فكل عام ينتهي هو بمثابة قربك من يوم وفاتك، ولهذا لا تحتفلوا مع نهاية كل عام..
لكن علينا أن نفتح دفتر حساباتنا لكي نراجع مكاسبنا وخساراتنا حتى نعرف أين تسير؟ وكم أنجزنا من أعمال؟ لتصحيح المسار لنكون في العام القادم أفضل.
بما أنه عام مضى بأكلمة من حياتنا، وها نحن اليوم سنصافح عامًا جديدًا، جال في خاطري سؤال عجيب أين نحن بعد مائة عام من اليوم، فالعمر استقبال ووداع، واليوم ودعنا عام كما ودعنا الذي قبله، وهكذا حتى تنفد أيامنا..
بالأمس وقفت أتأمل غروب شمس آخر يوم من العام، متأكدُا أنه لن يعود وقد طويت صحائفه وحفظت، فأعمارنا إلا عددًا من السنوات كلما طويت واحدة أدنتنا من أول منازل الآخرة وهو القبر، لهذا
عام جديد أطل علينا بإطلالة جديدة، فيه من الفرح والحزن، “تعبيران مختلفان، يناقض بعضها بعضًا”، فنظرة الفرح ما هي إلا تفاؤل منّا كي نستغل أيامنا وساعاتنا في طاعة الله عزوجل، ونظرة الحزن إنما تذكرنا بأن الدنيا هكذا..
فلنتحسر على عام مضى مر علينا دون عمل، وساعات طوال أضعناها دون فائدة، ودقائق مرت دون أن نستغلها بتسبيحه أو تحميده أو تهليلة.
رحل هذا العام، ورحل معه آخرون، رحل شخص كان يبني المجد، وآخر يبحث في هوى النفس، وكلاهما رحل، رحل رجل بنى بعروسه ولم يدخل بها، وآخر بدأ في بناء بيته ولم يسكنه، وثالث ينتظر وظيفته أو تخرجه لكنه رحل، ورابع رحل دون إكمال أحلامه، وخامس وسادس كلهم رحلوا وهم غارقون في الأمنيات، لاهون في معترك الحياة. فكل من مات كان حيًّا يأمل بفسحة لتحقيق أحلامه وأمنياته..
ونسي ونحن معه أن الدنيا أضيق من ثقب أبره، وأنها مليئة بكثير من المفاجآت، رحل من رحل ولا زالت أيديهم لم تمتلئ من الدنيا بعد، ورحل من هؤلاء من سطّر كلمته وكتب اسمه بحروف من ذهب، وأشهد التاريخ أنه مر في ذاكرة الأيام، وهذه آثاره ورحل آخرون دون أن يعرفهم أحد، ولدوا صغارًا، وعاشوا صغارًا، وانتهت حياتهم دون أثر.
الحمدلله أن مد الله باعمارنا عامًا جديدًا ليكون لنا فرصة لنعقد العزم على اغتنام بقية العمر، فكم سوّفنا؟ وكم أخرّنا من أعمال صالحة؟ لو عملنا فيما خيرًا لكان خيرًا لنا؟ كم أخَّرنا التوبة الشاملة؟ كم أخَّرنا التوبة عن بعض الذنوب؟ كم أخَّرنا مشاريع عظيمة لو فعلناها لكان لنا شأن عظيم؟ كم وكم وكم؟؟
خلاصة الكلام أين أنت اليوم؟ أين أنت مع بداية العام وكيف ستكون في نهاية العام، ولهذا كن جديرًا بأن تفكر في المشاريع التي تبقى لك بعد الممات فتسعى في وقفٍ لنفسك ولو بشيء يسير، أو صدقة جارية تدر عليك الحسنات بعد الممات، ولا يكون ذلك إلا أن تسلك سبيل الجد والاجتهاد والتخطيط والترتيب لحياتك الدنيوية وآمالك الأخروية، لتكون هناك ثمرة مشرقة تبني لك مجدًا في دنياك وآخرتك.
ترويقة:
قيل أن الطعام سعادة يوم، والسفر سعادة أسبوع، والزواج سعادة شهر، والمال سعادة سنة، والعمل سعادة العمر كله. فلن تسعد بالنوم ولا بالأكل ولا بالشرب ولا بالنكاح، وإنما تسعد بالعمل الصالح، وهو الذي أوجد للعظماء مكانًا في الدنيا والآخرة. لننظر لغد ماذا نعمل فيه، ولا نتأمل ماذا فاتنا من عمل، فالماضي لا يعود، وأنت الذي تلون حياتك بنظرك إليها بكل إيجابية، فحياتك من صنع أفكارك، فلا تضع نظارة سوداء على عينيك.
ومضة:
هل استحضرنا جميعًا نعمة البقاء ومنّة التمكين من العمل قبل انقطاع آجالنا وآمالنا؟؟ فلتذكر هذه النعمة بواسع من العمل الصالح قبل أن يُحال بيننا وبين العمل كما قد حيل عمن مات من قبلنا .
كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك