محمد الرياني
عندما يسرقُ النومُ المتعةَ من الحياة فإن العينَ التي تنغلقُ مع السباتِ هي المتهمُ الأوحدُ بسرقةِ المتعة، وهكذا بعضُ الأحداقِ تُفقدُ النورَ خاصيةَ الوهج، هناك من يقفُ ويضربُ بقدميه على الأرضِ كي تتحركَ الأشياء، وينظرُ إلى السماءِ لعل الشمسَ تكون أكثرَ حِدَّةً حتى توقظ الميتين الأحياء ، قلتُ لبائعِ العطرِ ليلًا : حان وقتُ النوم ، ابتسمَ في وجهي وهو يرشُّ على يدي عطرًا وقد فتح عينيه الواسعتين ، تثاءبتُ بصوتٍ مزعج ، قال لي اذهب فقد حان وقتُ نومك، يبدو أنك لاتسهرُ كثيرًا، وأنَّ غرفتكَ لا تتنفسُ العطر، شعرتُ بالخجلِ واحمرَّ وجهي الأحمرُ أكثرَ مما ينبغي، وضعتُ رأسي على الأرضِ ولم أشترِ من عطره عقابًا له على الرغم من أن ثوبي ظلَّ يحتفظُ بالرائحةِ الزكية، غادرتُه وقد همسَ لي بأن أتغطى جيدًا من البرد ، زادني ألمًا على ألم، قلتُ لنفسي : ليتني لم أَدعُه إلى تركِ مكانِه والذهابِ إلى سريرِ النومِ، تثاءبتُ مرةً ثانيةً في ظرفِ دقائقَ يسيرة لم تتجاوز بضعَ خطواتٍ من مفارقتي له، كنتُ أضعُ ظَهرَ كفي على فمي، لم يكن في إصبع يدي التي أغلقتُ بها فمي خاتمًا، بالقربِ مني بائعٌ ماكرٌ في التسويقِ دعاني لشراءِ خاتم، عمري الذي مضي قضيتُه بلا خاتمٍ يزين إصبعي، جربتُ واحدًا باللونِ الأحمرِ القاني ، بدا إصبعي بل كفي كلُّه رائعًا، تذكرتُ كفَّ أمي خاصةً مع الحناءِ وكفوفَ أخواتي، وأصابعَ صغارِ البناتِ اللاتي يلبسنَ خواتمَ الهدايا البسيطة ، فرحتُ كالصغارِ والليلُ قد انقضى معظمُه، عدتُ لبائعِ العطر، لوَّحتُ أمامَه بخاتمي الجميل، اشتريتُ منه عطرًا بعلبةٍ بيضاء، لونُ العلبةِ أروعُ من العطرِ الرائع، قالَ لي وهو يناولني العطر : الآن تستطيعُ إلقاءَ لحافكَ بعيدًا عنك، رُشَّ كثيرًا من العطر في الغرفةٍ، دعِ الظلامَ يسيطرْ على المكان، لن يأتيكَ النومُ بكل تأكيد، سترى وميضَ خاتمكَ الجميلَ حتى تحين لحظةُ الإشراقِ، سترى الشمسَ بلونِ خاتمك، لاتنس أن تعطِّرَ جانبيكَ من عطري الأبيضِ أيضا.