محمد الرياني
صباحٌ استثنائيٌّ ويومٌ مختلفٌ من البدايةِ حتى ارتفاعِ الشمسِ إلى وسطِ السماء، رائحةُ الوُزَّابِ والشيحِ والنباتِ العطريِّ الجبليِّ رافقتْنا ونحن لانزالُ على السهل، وكأن حَواسَّ شَمِّنا قد سبقتْنا إلى المكانِ الذي سنصعدُ إليه فجلبتْ لنا من طيباتِ ( بلغازي) ريحًا طيبة، في زيارتي لمتحفِ بلغازي آثرتُ أن يرافقني ( ابني علي) وهو خيرُ مَن يجعلُ الطريقَ شذىً يزيد على شذى، وبطبعي فأنا ميَّالٌ لكل تراثٍ وكلِّ ماضٍ يستحقُّ أن تستعيدَ معه الروعةَ والبهجةَ ورائحةَ الأجداد، قرابةَ ساعةٍ من الزمن وأنا وعليٌّ نفكرُ في هذا التراثِ الذي سنزوره وما يمكن أن نجدَه فيه، استقبلَنا ( أبو نواف) ومعه مديرةُ المتحفِ ومدبرته الأستاذة /فاطمة الغزواني، جلتُ ببصري في أركانِ المتحف، يفوحُ من الماضي طعمُ اللبنِ والماءِ والقهوة في الجلودِ القديمة وفناجين الفخار ، ونلمح ملمسَ الأيادي في العُملاتِ التي رحَلَ متداولوها، نتذكر صوتَ الأخبارِ في التلفازِ العتيقِ والمذياعِ القديم، وفي الركنِ القصيِّ تبرزُ ملابسُ الأعراسِ والمناسباتِ وأدواتِ الزينةِ التي أضفتْ على المكانِ زخرفًا وزينة، تذكرتُ وأنا أرى البئرَ القديمةَ التي وردناها والقُعدَ ليالٍ سمرنا عليها تحتَ طلِّ القمر ، استحوذتْ على خيالي الغرفُ الحجريةُ العتيقةُ التي اختبأنا في مثلها من المطر، كلُّ ما في المتحفِ له نكهته الخاصةُ ورونقُه الملهم ، بضعُ دقائقَ ألقتْ بنا في كهوفِ الماضي ولانزالُ نبحثُ في دهاليزه عن سرِّ هذا الماضي الذي جعلتْ منه (فاطمة الغزواني) مزارًا يقصده محبو التراث، انقضتْ الزيارة، كان (أبو نواف) وأخو زوجته فاكهةَ الزيارةِ إذ جعلا منها زيارةً استثنائية ، تضاعفتِ الدقائقُ إلى عشراتٍ من الأعوامِ وقد مثلتْ على رفوفِ المقتنياتِ التراثية، غادرتُ مع عليٍّ المكانَ صحبةَ باقةٍ عطريةٍ من نباتِ الجبلِ توجتْ زيارةً لن ننساها وروعةً تجعلُ الزائرَ يتحينُ الفرصَ لتكرارِ زيارته كي يستروحَ الماضي التليد.