أحمد سالم البلوي
الحنين للماضي رحلة طويلة غادرنا فيها البيئة التي ألفناها والمحيط المصاحب لها من الأماكن والأشخاص وعاداتها وتقاليدها فنذرف دموع الشوق اعترافًا منا بفقد تلك اللحظات وتفاصيلها المختلفة.
رحل كل شيء ولم يبق إلا ديارهم ومنازلهم ؛تحكي غيابهم وذكرياتنا معهم في مرابع الصبا ومراتع الشباب، فتذكرت هذه الأبيات لأبي تمام يصفها لنا وكأنها حلم:
مرّت سنون بالوصال وبالهنا
فكأنها من قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها
فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلامُ.
حتى زحفت إلينا هذه الحضارة النكدة -بما فيها من تقدم وتقنية -فتغيرت معها حياتنا الاجتماعية بكل تفاصيلها من ؛المأكل والملبس والمسكن المتواضع ،من بيوت الشعر ،و الخيام مرور ا بمنازل الطين والبيوت الشعبية التي تحوي أساسيات الحياة، صغيرة في مساحتها لكنها تسع الجميع، بتقاربها وتآلف قلوبهم النقية ،ونفوسهم اللينة ،وروابط محبتهم وثيقة يقدرون الجيرة لا يعرفون التباغض والإعراض، يتزاورون دون تكلفة أو كلفة ،ويتبادلون الأطعمة والأواني كانت هذه مظاهر حياتهم تؤكد قيمة الجار وحسن جواره ،
فنتحسر على زمن كان الفرح يسكن القلوب الصافية والنفوس الرقيقة.
فغزت إلينا الحضارة بكافة أنواعها وأشكالها، فأثرت علينا وعلى طريقة عيشنا فتغيرت معها نفوسنا، فالأسقف حديد فأصبحت نفوسنا حادة، والجدران قاسية فقست قلوبنا، والأرضيات صلبة فأصبحت التعاملات جافة يابسة.
صارت المنازل تحوي الكماليات قبل الضروريات ، فاستنفدت جيوبنا في كثرة الغرف،وتفرق الأسرة كل منفردا بنفسة،من المآكل والملبس والذهاب والإياب و النوم لتفقد الأسرة بركة الاجتماع والترابط والألفة والمحبة .
وحين مررت على بعض تلك الديار أوقفت سيارتي جانبًا وترجلت سيرًا على قدمي أنظر إلى أطلالها فتذكرت قول الشاعر:
يا دار ما فعلت بك الأيام
ضامتك والأيام ليس تضام.