محمد الرياني
شهقةٌ مبحوحة ، شهقتْ بعينين حائرتين عندما قال لها إنه يحبها، لأولِ مرةٍ يسمعُ حنجرةً تغني دونَ أدواتٍ مساعدةٍ أو موسيقى تغطي العيوب ، هربتْ من المكان وقد خلّفتْ قطرتين من عينيها الرائعتين على طاولةِ اللقاء ، لم يلحقْ بها وكانتْ أسرعَ وأخفَّ منه ، عاد ليتفحصَ الدمعةَ الحرَّى من الوَلَه، مسحَها بطرفِ إصبعه قبل أن تجففَها شمسُ الصباح ، همَتْ عيناه مثلها، حاكى صوتَها وشهقَ شهقةً مصطنعةً مثلها ، ضربَ بكفه على فمه ليسكتَ نفسَه ، قال لنفسه مؤنِّبًا وهل تساوي شهقتكَ روعةَ بحَّةِ صوتها؟ أغمضَ عينيه وهو يستعيدُ الموقفَ الباكي، انتظرَ صباحًا جديدًا حتى يلتقيها ويُحفزَها لنغمٍ آخر ، جلسَ على المقعد ذاته وهو يراقب القادمين نحوَ الطاولاتِ الدائرية، طالَ بقاؤه وطالَ غيابُها، نظرَ إلى آثارِ دموعِها، لا يوجد غير وجهٍ كالحٍ لطاولةٍ لم ترتوِ بأكثر من دمعتين، قالت له أخرى : لا تنتظر أكثر، لن تستمعَ لبحةِ الصوتِ التي استمعتَ إليها أمس، ركلَ الطاولةَ على الأرض، نسيَ أن سطحَ الطاولةِ قد حملَ أروعَ دمعتين، ترك المكان ، كرَّرَ بصوتِه صوتَها معزيًا نفسَه وهي تشهقُ أمامه، لم يكن يعلم أنها سترحلُ لحياةٍ مع آخر لم تشهق له ببحةٍ من حنجرةٍ مختلفةٍ كما فعلتْ عنده.