صبري الموجي
دَوتْ في الآفاق مؤخرا عبارةُ تجديد الخطاب الديني، وهو ما أثار كثيرا من اللغط، وجعل منها إشكالية تتطلب تدخل الحكماء لفصل الخطاب .
ومما لا شك فيه أن تجديد ذلك الخطاب أو تطويره يُعد أمرا محمودا إن كانت وراءه مصلحةٌ للفرد أو المجتمع بما لا يخل بثوابت الدين، لأن ثمة فارقا كبيرا بين الثوابت والمُتغيرات، فالمتغيرات كالفقه يُمكن أن يحدثَ فيها تغيير يُراعي مصلحة العباد، وهذا لا يتنافى مع الشرع؛ لأنه أينما كانت المصلحة فثم شرع الله، وهو ما دفع الإمام العبقري الشافعي لتغيير فقهه في مصر عما كان عليه الحال في العراق، ولم يلمه أحد، بل عدوا ذلك من قبيل الفتح الإسلامي، الذي يُكبرُ العقل ويُراعي مصالح الشرع والعباد معا، ويقف من النصوص القابلة للتأويل موقفا محايدا بلا غلو ولا تفريط.
وفضا للاشتباك أقولُ بصوتٍ عال : إن تجديد الخطاب الديني في أمور المتغيرات مرحبٌ به، أما الثوابت فإنها خطٌ أحمر لا يجوز التجديد فيها، لأنها من قِبل الخالق العالم بأحوال العباد، وما يُصلحهم وينفعهم، فضلا عما يضرُهم، وصدق ربُنا القائل : ( ألا يعلمُ من خلق وهو اللطيف الخبير ).
ولابد لحل هذه الإشكالية من علماء ثقات، يُطمئنون العامة والخاصة بأن التطوير المنشود لن يطول الثوابت أبدا، وإن وجد فلن يتجاوز المتغيرات .
في قلعة من قلاع العلم اللغوي والشرعي، جمعني لقاء ماتع بالعالم الرباني البليغ الحاذق ا. د إبراهيم الهدهد، أستاذ ورئيس قسم البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر معقل الإمام الشعراوي وغيرة من أساطين اللغة وأئمتها الأعلام، حيث تشعبَ بنا الحديث، وكان ضمن ما تطرق إليه مسألة التجديد تلك، التي أقرّ ذلك العالمُ الفذُّ أنها أمرٌ محمود مادامت هناك مصلحة، لكنه – يقصد التجديد – يتطلب علماء فاهمين، يُوظفون نصوص الشرع توظيفا صحيحا، دون ليِّ لأعناقها لخدمة فكرتهم غير المستندة إلي منطق ودليل، بالإضافة إلي ضرورة تأكيدهم وبملء الفم أن التجديد والتطوير لا ولن يمس الثوابت كأمور العقيدة، وإنما يتخذ من ميدان الفقه ساحة لمده وزحفه بما يخدم أحوال الناس، ولا يصطدم مع الشرع مُطلقا .
في تلك الجلسة التي تحفُها الملائكة، انقضي الوقتُ سريعا، وخرجتُ بعدها أُرددُ قولَ ربنا : ( إنما يخشي الله من عباده العلماء ).
والمعني أن العلماء أشدُ الناس خشية لله لأنهم أعرفُهم به سبحانه .