طارق يسن الطاهر
قام أمجد صباح الأربعاء عجِلًا ، ونهض من فراشه وجِلًا، شرب شاي الصباح مع أمه، وأعدّ حقيبته، وخرج لا يلوي على شيء.
شمّر بنطاله المدرسي حتى لا يتسخ بالطين. وكيلا يتبلل بالمياه التي تجمعت في الطريق من أمطار البارحة.
كان يقفز من حجر إلى آخر يحمل حقيبته وآماله وأحلام أمهِ، حتى وصل إلى نقطة تجمع أصدقاء العمر ورفاق الدراسة وشركاء المعاناة، كانوا يفكرون كيف يصلون مدرستهم في هذا الْيَوْمَ العصيب والمياه متجمعة والطريق وعرة، إلى أن اهتدوا إلى أن يستقلوا مركبًا يأخذهم طولا.
ركب الصبية المركب يحملون حقائبهم وأحلامهم وآمال ذويهم، يتسابقون في حل الواجبات المدرسية وتحضير الدروس داخل المركب، فلم يتمكنوا من فعل ذلك بالأمس بسبب الأمطار.
تلك همة الصبية التي جاوزت الجوزاء، وحطّت على الثريا، ونزلت بين السماكين؛
فقد تغلبوا على الفقر وحداثة السن ومرارة الواقع وقهر الظروف وشظف العيش وقلة الحيلة وكآبة المنظر وسوء الحال .
كل ذلك لم يثنهم عن عزمهم، فقد قهروا تلك الموبقات ،وقصموا تلك المثبطات وأطلقوا لخيالهم العنان.
لم يكن النهر في ذلك الصباح شريانًا للحياة وإنما كان سمًّا زعافًا ! ما الذي دهاه؟!
فجأة ابتلع تلك الآمال، وغاصت في لجّته تلك الأحلام ، وغرقت في مياهه تلك الأمنيات.
ماذا دهى سليل الفراديس حين عربد دفاقًا ليُسكت نبض تلك القلوب الصغيرة ،ويئد هذه الأحلام النبيلة؟!
هنا تفرقت تلك الأجساد النحيلة مع الحقائب الثقيلة في جنبات النهر العميق ، أغرقوا ولم يغرقوا .
كأنّي بهؤلاء الصبية تتوسد أجسامهم مياه النهر التي صارت لهم قبرًا ،ويسكنون أمواجه التي أضحت لهم رمسًا.
ما ضرّ أمجد ورفاقه إن لم يعثر الناس على جثامينهم الصغيرة، وما ينفعهم إن انتشلوها، فقد حلّقت أرواحهم عصافير في فضاءات الجنان، لكنهم خلّفوا
قلوبا حزينة ،وأنفسًا موتورة ،وغصصًا في الحلوق، وصدوعا في الأفئدة لن تُرْأب، وجروحًا لن تندمل.
ماذا يقول أولئك الحكام حينما يقفون أمام رب العزة ، وتُكتب شهادتهم ويُسألون :لِمَ لَمْ يمهدوا لهم الطريق ؟! فهم بشر كرمهم الله ، وليسوا دوابا!!