حوار/ هدى الخطيب
جلال بن المولدي الطويهري كاتب وشاعر وقاص تونسي ناشط حقوقي الرئيس المؤسس للمنظمة الدولية مجلس الشباب التونسي ورئيس المنتدى الدولي للسلام والدفاع عن حقوق الانسان ،مؤسس المنتدى الدولي لنبذ العنف والتطرف وفض النزاعات الدولية بالطرق السلمية ، قام بدور الصحافة الاستقصائية ورفع العديد من الملفات في شبهات الفساد بالمحاكم التونسية، متحصل على شهادة السفير الدولي وشهادة المستشار الدولي من الاتحاد الدولي للصحافة العربية الشعر بالنسبة لي هو بوح وتعبير عن مكنونات .. وعن مشاعر وأحاسيس ، وعن صياغة فكرية بصورة فنية وجمالية ، بدأت القراءة منذ كنت في المرحلة الابتدائية ، وقد لفت كتاباتي انتباه المدرسين علموني ، فأثنوا عليها وشجعوني لأشترك في المسابقات التي كانت تخصص للكتابة الإبداعية الإبداعية من مجلة قبل مجلة للصغار ، وذكاء السنة السادسة ابتدائي فزت بكتابة نص ” المغرورة “. لي أول قصيدة ، سأهيئ الحقائب .. للسفر “لما قرأتها لأصدقائي ولأفراد العائلة نالت الاستحسان وبالأخص والدي أعطيت الكتابة حقها (أني كنت أكتب بين الحين والآخر) وذلك لأني وضعت كل طاقاتي ووقتي في الدراسة ، ثم في عملي ، تطلب الأمر في الحال ، من الكثير من دراستي ، أحب القراءة لأبي القاسم الشابي ، محمود المسعدي ، علي الدعاجي ، بالطبع قرأت لغيرهم من أدباء عرب وعالميين ، مثل الطيب صالح ، نجيب ، طه حسين ، توفيق الحكيم ، جبران خليل جبران ، يوسف إدريس ، تولستوي ، بيرل باك وألبير كامو ، ماركيز وغيرهم بالنسبة للشعر ، فكنت أحب أن أقرأ لنزار قباني ومحمود درويش والشعر الجاهلي، صوت من وراء المريخ كتابي الثاني
إذا كنت تعتبر نفسك من النخبة الممتازة وتجد أحداً من الكتّاب أو الشعراء من الجيل الشاب سيئاً ماذا تفعل؟
سألقي بنفسي من الشرفة ولا تردد في أن ترمي بنفسك لينتهي الكون من عقليتك التي تكدّس الغبار فوقها تلك العقلية التي لا يخترقها لا أزميل ولا يفجّرها برميل.
الأدب بصفة عامة هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطفه وأفكاره ومشاعره وأحاسيسه، وبغض النظر عن خلفية هذا الإنسان يجب أن نحترم تلك الأفكار والمشاعر رغماً عنا، لأن الأدب ليس فقط شكل من أشكال التعبير الإنساني عن ما يدور في داخله من أحاسيس، بل هو في الدرجة الأولى يسمى ثقافة ، يجب أن نلتزم باحترام هذه الكلمة من كل جوانبها، ليس فقط في الأعمال الملموسة، بل وغير الملموسة أيضاً، أن نعطي الاحترام لكل عمل بغض النظر عن جودته، فدرجات الثقافة تتفاوت مثلها مثل أي شيء آخر في الحياة.
لحظة إرادتي وحبي للأدب قررت أن أقرأ ما تمكن لي من الكتب وأنشر على صفحات التواصل الاجتماعي كي أستطيع أن أقترب بشكل كبير من هذا المجتمع كانت أولى محطاتي في عالم الأدب نشر العديد والعديد من المقالات والقصائد التي بعضها سرق على التواصل الاجتماعي والجرائد الالكترونية والمكتوبة وقبل أن أقرأ أي رواية من عادتي أن أجمع أكبر كم ممكن من المعلومات الشخصية عن الكتاب الذي سأقرأه، اتضح لي أن هناك معارضة كبيرة من الوسط الثقافي والاجتماعي واعتبرت نفسي من أسوأ الكتاب. لكن فيما بعد أصبحت بتشجيع من الأصدقاء والأحبة عازما كل العزم على دخول ميدان الأدب في الشعر والرواية والأقصوصة .
أغلبنا يعرف أن الكاتب يتعرض لسخط العامة والكتاب والشعراء في البداية واصفين كتاباته الأولى بأنها لا تصلح إلا لسلة المهملات، السادة القراء إن في كل كتاب هناك جملة مفيدة، وأنا أبحث عن تلك الجملة، في حياة كل كاتب أو شاعر مهما كانت مكانته في عالم الأدب لديه كتابات تستحق الانحناء لها احتراماً وتقديراً، وأعمال تمر علينا مرور الكرام. بالنسبة لي ليس مهماً شكل العمل لأي شخص من الجيل الصاعد، بل المهم أن أعطيه خبرتي قدر المستطاع كي يتوخى الحذر، ومن المعيب أن نقول عن عالم الأدب أو الوضع الثقافي لأي جيل أو أي خلفية أنها سيئة، ومن المعيب أكثر أن يصدر هذا الكلام من كاتب أو شاعر أو ناقد كبير، بل يجب أن نحترم العالم هذا وننتقد باحترام.
وتتأكد مرة أخرى العلاقة القوية بين التجربة الإبداعية والتجربة الحياتية الصعبة والأليمة في تقديمي لنفسي للناس ، بالرغم أن الأمل احتل مساحات محدودة وارتبط خصوصا بتجربته النضالية، إلا أن الأسى نتيجة المعاناة الذي عشته وأعيشه ووجودي في بلادي وكأني مغترب وما أقصى غربة الإنسان في وطنه ومسقط رأسه قد كان له أثره في قصيدتي الأولى من المريخ أم من الزهرة التي أصطبغ جلها بالحزن والأسى والحرقة على الوطن والماسكين لمناصب ليسوا أهلا لها، ولعل هذا اللون الطاغي على قصائدي هو ذو قيمة إبداعية خالصة تنبع من عمق التجربة وخصوصيتها ..
لتبقى مجموعة “أخاطبكم من المريخ فلست من ذاك الكوكب” ترجمانا وفيا لنضال مستمر ومقاومة متعددة الأبعاد كما أن لظاهرة الحزن ما يجعل مني إنسان يختص بها هذه التجربة، وكأني من خلال اختياري للعنوان ألمح إلى أن هذا الإصدار هو تحذير من مغبة الإفراط في المسؤولية وأن تجربتي الحياتية مازالت تحمل مزيدا من “الخطوات “ربما سأفصح عنها في أعمال قادمة.
– ماذا قال النقاد عنك؟
قال إبراهيم درغوثي: هذا العنوان المربك ” أخاطبكم من المريخ ” الذي يدعو إلى التساؤل عن العلاقة التي تربط المريخ بالشعر، تربك القارئ ولا تترك له مجالا للراحة قبل أن يفكك الرموز الكامنة فيه ويستطلع دلالاتها ويستقرئ معانيها وما يرمز إليه الشاعر من خلال مخاطبة قرائه من المريخ ؟
كلنا يعرف أن الشاعر “نبي مجهول” مسكون بهواجس وأحاسيس يريد أن يوصلها إلى قومه لعله يصنع لهم حياة جميلة. ولكن القليل القليل منهم يستجيب لنداءاته. فكأنه يخاطبهم من وراء المريخ!!
هذا الشاعر الذي يصف لشعبة كيف يضحي الإنسان بسعادته من أجل الآخرين … من أجل الوطن دون أن يجد صدى لتضحياته بينما ينعم ذوو الجهالة في الراحة والهناء؟ تلك واحدة من مرارات الشاعر التي تشعل النيران في قلبه وفي عقله أيضا فيسعى إلى التنفيس عنها من خلال البوح بها إلى قصائده لعله يداوي جراحه بنفاثات صدره وهو يستحضر ما قاله أبو القاسم الشابي :
” شعري نفاثة صدري * إن جاش فيه شعوري * لولاه ما انجاب عني * غيم الحياة الخطير”.
هو ذا شاعر ” أخاطبكم من المريخ ” الأستاذ جلال الطويهري الذي يريد لصوته أن يصل من هناك من الأقاصيص لعله يوقظ النائمين ويعيد لهم الحياة الجميلة التي ما عرفوا كيف يحافظون عليها كالرجال.
ورغم الأحزان التي تنتاب الشاعر في كل آن وحين مما يعانيه وطنه الجريح فإنه يجد منفذا من خلال القصيدة إلى جنان السعادة حيث المرأة التي تداوي جراحه وتكون بلسما لجنون الحب المباح. فهي من علمه كيف يتقن لغة القلب حتى أدمن حبها وما عاد في مقدوره أن يرى الشمس إلا من خلال عينيها. وهي التي حولته إلى روح تتحد بروحه حتى صارا روحان قد حلا في بدن واحد.
كيف لا وهو يتمنى عليها أن تتحول إلى ساحرة قادرة على تحويل المستحيل إلى ممكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الزمن العصيب :
“…ولتزرعيني قمرا
لِلَيالي كحلك …
و لتكوني صخبا …
يغتال سكوني …
و يثير جنوني …”
في هذا الديوان، لم يكتف الشاعر برثاء وطنه الصغير، بل تعداه إلى الوطن الكبير من القدس إلى العراق واليمن حيث يظلم ذوو القربى بعضهم بعضا وهم يتناهشون بالأظافر والأنياب كأن حروب داحس والغبراء مازالت قائمة بينهم وكأن بينهم ثأرا قديما لم تكفه كل الدماء التي سالت على الأرض العربية على مدى القرون مما يحز في قلب الشاعر ويزيد في همومه.
ورغم كل ذلك يحتفل الديوان بمظاهر الفرح في الحياة والطبيعة التي تحولت إلى حالات تتعايش مع روح الشاعر لعلها تعيد إليه بعضا من الطمأنينة والأمل في غد مشرق وصبح وضاء :
أيها التاريخ أرجوك …
لا تكتب عنا للأجيال القادمة..
لا تخزينا ….
لا تسجل وقائعنا…
التزم الصمت…
لا تحكي عنا …
للقادمين بعدنا…”
إن هذا الظلام الكثيف الذي سكن جوانح الشاعر حتى حدود اليأس لن يستمر طويلا فمن وراء الليل يطل النهار بشمسه الوضاءة، ومن بين تلابيب الحزن تتلألأ أنوار السعادة . بهذا يبشر الشاعر في هذا الديوان الذي يراوح أمكنته بين اليأس والأمل والحزن والفرح واليأس والرجاء.
أيها الزمن الهارب منا
رويدك …
هبنا من الحلم قليلا.
هو ذا الحلم الذي سيصل إلى أرضنا من المريخ لتتحقق نبوءة الشاعر وتعم السعادة كل القلوب.
ألم أقل إن الشاعر هو ذاك النبي المجهول؟لقاء مع الكاتب والشاعر جلال الطويهري