كتبه الأستاذ علي الجبيلي*
هكذا مرت لحظات تلك المرحلة سراعا مفعمة بالكفاح والطموح والمثابرة بعد انتهاء مرحلة الدراسة الجامعية وحتى توديع الوظيفة العامة بالتقاعد… قال لي صديقي مندهشا… انت ما زلت شخصا شابا نظيرا بهي الطلعة منذ ابتعاثك قبل ٤٦سنه ياابا الحسن..
وها أنت وتواصلا لنجاحاتك العملية والاجتماعية تحظى مجددا بثقة ولي الأمر أمير منطقة جازان بترشيحك “رئيسا للجنة تراحم بالمنطقة” وقرار وزير الموارد.. والتنمية الاجتماعية المباركة على هذا الترشيح لتكمل جهود ومهام من سبقوك في هذا العمل الإنساني وعلى الأخص الرائد الاجتماعي والإعلامي المتميز ا. علي موسي زعله ومن كلفوا بعده في هذه المهمة أيضا..
قلت له جزاك الله خيرا ونسأل الله العون على أداء المهمة كما يتطلع ولاة الأمر…
فأنا كما تعلم ابتعثت في شهر رمضان من العام ١٣٩٧الي الولايات المتحدة الأمريكية.. للحصول على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية.. كانت لحظات مفعمة بالانتشاء والنشاط ولكنها أيضا مولعة بألم الفراق والبعد والغربة عن والدتي واخواني ومحط صباي “صبيا” وعلى الأخص بعد أن أتممت خطبتي على زوجتي ام الحسن واتفقت مع والدها العم أبوبكر محمد باصهي على إتمام الزواج بعد سنة من ذلك…وهو ما تم ذلك بالفعل ولله الحمد
وكذلك أن رزقنا بالابن البكر الحسن ومن ثم باقي أشقاءه بارك الله فيهم جميعا وأصلحهم…
كما أن من محطات السعادة في حياتي قبل ذلك عند تخرحي من الجامعة بمعدل مرتفع واختياري معيدا بجامعة الرياض كلية الهندسة، وكذلك فرحتي باكتمال بناء بيت الأسرة عمارة مسلحة من دورين بعد أن كانت عشة تجمع طفولتنا سويا
كما أن النقلة الحضارية والمدنية المفرطة التي شاهدتها في أمريكا بعد وصولي إليها جعلني مجدا في الإسراع بإتمام برنامج الابتعاث، لأعود وأساهم في رقي وتنمية وطني.
منذ تلك اللحظة التي استقبلني فيها صديقي بمطار كولمبس واخذني معه إلي مدينة أثير حين وصولي قادما من هيوستن عبر طائرة مروحية صغيرة ذات ١٤مقغدا، ولم يكن ذلك الشخص سوى صديقي الفاضل عقيلي ضيف الله خواجي الذي استضافني في منزله في ذلك اليوم الرمضاني وتناولنا الإفطار في المسجد القريب من منزله.. ثم تناولنا العشاء في المنزل وعدنا لأداء صلاة العشاء والتراويح في ذلك المسجد الصغير….
لقد كانت بداية مفعمة بالتوفيق والبركة… وللمعلومية فبعد عودتي وتعييني محاضرا في قسم الهندسة عملت مدة من الزمن… ثم استقلت لأباشر العمل بالشركة السعودية للكهرباء بالمنطقة الجنوبية في أبها البهية ساحرة القلب والوجدان… وكان ذلك يوم الأربعاء ٢٩١١١٤٠٠…بدأت مسيرتي العملية فيها لحين تقاعدي عن العمل حيث كان يوم الخميس ٢٢٤١٤٣٦ آخر يوم احضر فيه للعمل ونشر ذلك الخبر في صحيفة سبق واسعة الانتشار حيث تلقيت فور ذلك العديد من الرسائل الأخوية العاطرة بالثناء والتقدير على ما بذلته أثناء فترة عملي والداعية لي بالتوفيق والحياة السعيدة في مرحلة التقاعد
ويكفيني شرفا شكر وتقدير سمو أمير المنطقة الأمير محمد بن ناصر لهذه الجهود ورعايته لحفل التكريم الكبير الذي أقامته إدارة كهرباء المنطقة مع الأهالي بمناسبة تقاعدي عن العمل بعد ٣٦سنة من العمل الجاد والمتواصل وكان ذلك يوم الخميس الموافق ٢٢شعبان ١٤٢٦
وخلال تلك السنوات عملت أيضا تحت رعاية وتوجيه أمير المنطقة السابق الأمير محمد بن تركي السديري الذي غمرني بكريم عطفه وتوجيهه ورعايته كما عاصرت عديدا من وزراء الكهرباء ورؤساء مجالس شركات الكهرباء والمدراء العامون والزملاء الخبراء من شتى الجنسيات، إضافة إلي المدراء العامون بالمنطقة والوكلاء والزملاء أعضاء مجلس المنطقة في أكثر من دورتين بالمجلس وكانوا على مستوى رفيع من التعاون وحسن الأداء والإنتاجية
وغلي ذلك تبقى هناك محطات خالدة في ذاكرتي أثناء مسيرتي العملية شاركت في إعدادها ودراستها وتنفيذها عمليا منها على سبيل المثال لا الحصر :_
خطة إيصال الكهرباء إلي جميع مدن وقرى المنطقة الجنوبية عبر استخدام الجهد الفائق ٣٨٠ك.ف
وبالتالي ربطها بجميع مناطق المملكة
_وكذلك ربطها بدول الخليج العربي ،من خلال شركة الربط الخليجي بعد اعتماد الخطة وشاركنا في الإشراف ومتابعة تنفيذها على مدى السنوات التي قضيتها في العمل:
_مشروع كهربة قرى نجران النائية
_منجزات مشروع الكهرباء وتحلية الشقيق
_وكذلك استكمال توقيع عقود أهم المشاريع ووضع حجر الأساس لمشروع كهرباء بيشة
_ والبدء في تنفيذ مشروع كهرباء تهامة المركزي..
_والبدء بتنفيذ مشاريع محطات التحويل وخطوط النقل التي تم اعتماد تمويلها من صندوق التنمية الصناعية ووقعت عقودها….
_وأقف هنا لأربط أيضا جزءا من لحظات العمر ببعضها وأنا في السنة الثانية بمرحلة الماجستير في ماديسون أن درجة الحرارة تصل إلي حوالي ٤٠درجة مئوية في فصل الشتاء واشاهد كميات الثلوج الهائلة المتساقطة على الطرق وخارجها وكنت أقول لزوجتي أنها تذكرني بالرمال والمسافي التي كانت بين صبيا وجازان وبائع الزهور في هذا الجو الضبابي المثلج يعيدني إلى ذكرى بيع حبات الفل وقلائده وموسم الغبرة يكلح في وجوهنا في السوق الداخلي بصبيا أو على الطريق العام.. ونحن في قمة سعادتنا.. إذ كنت صغيرا حينذاك ؟!!
وهناك كثير من الإنجازات والمواقف والذكريات الحزين منها والسعيد وهكذا هي تصاريف الحياة ومقادير الكون.. وأقدم هذا الكتاب وهذه المذكرات تجسيدا لتجربة شخصية وعملية إنسانية واجتماعية عايشتها كغيري أطرحها بكل تجرد لمن رغب الإطلاع على ذلك أو الاستفادة من هذه التجارب وخاصة من أبناءنا الجيل المعاصر وأن الحياة تحتاج لمزيد صبر وكفاح ولا ترتهن للدعة والكسل لتحقيق المراد.. وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
من كتاب” مذكرات بائع الفل” بتصرف
لمؤلفه م. محمد يحي عجيبي. صبيا-جازان