معركة

محمد الرياني

بعدَ الهزيمةِ في موقعةِ الحُبًّ معها قرَّرَ أن يعيدَ ترتيبَ حساباتِه من جديدٍ لموقعةٍ أخرى منتظرةٍ لا يعرفُ موعدَها ، من المؤكدِ أن يخوضَ موقعةً يستعيدُ فيها هيبتَه بعد أن خذلتْه وجعلتْه فريسةً على الرغمِ من مقوماتِ النصرِ التي يتمتعُ بها، ضحكتْ عليه كثيرًا بعدَ إيقاعِه في براثنها، بل قهقهتْ بتشنجٍ وكأنها ترى في هزيمتِه انتصارًا تاريخيًّا لها، كان يحبُّها قبلَ موقعةِ الغرام ، بل جُنَّ بها لدرجةِ الهيام ، حتى جاء ذلك اليومُ الذي غادرَ فيه مساحةَ قلبها مهزومًا أمامَ منازلٍ لا يجيدُ إطلاقَ عباراتِ التحدي ، وكعادةِ الأبطالِ رأى أصحابُه أنه البطلُ المتوَّجُ الذي يَخرجُ مهزومًا وهو عالي الرأس، لم يستسلمْ وقرَّرَ خوضَ نزالٍ مع قلبٍ آخر ، تمكنَ من التغلبِ على الجراحِ فاختارَ البلسمَ الذي يجعلُه أكثرَ قوة ، تحوَّلَ لسانُه إلى لسانِ شاعرٍ يجيدُ نظمَ القوافي، وجدَ نفسَه في ساحةٍ جديدة ، تظاهرَ بالضعفِ والهوان ، قال لها : إنني لا أثقُ في نيةِ الحِسانِ ولا في عهودهن ، ابتسمتْ بروعةٍ وقالت إلا أنا، فأنا مسلوبةٌ من كلِّ أسلحةِ الخيانة، حتى ثيابي التي ألبسُها تستعيرُ ضوءَ القمرِ وتلألؤَ النجومِ ونقاءَ البطحاءِ التي نفترشها وندفنُ أقدامَنا فيها ؛ شعَرَ بالثقةِ واطمأنَّ أنها لن تخذله ، سردَ لها تفاصيلَ خيانةِ الحبِّ عندما انهزمَ في موقعةِ الغرام ، رفعتْ يديْها وهي تمزح ، قالت : الهزيمة.. الهزيمة، هذه رايتي البيضاءُ أمامَك تعلنُ استسلامي، جلسَ في طرفِ الميدانِ تغالبه دموعُه من الفرحة ، لكن هاجسها ظلَّ يطارده، جاءتْه بطلةُ المعركةِ بعد أن خسرتْ في أولِّ نزال، ربما لم تكن المعركةُ بينهما متكافئة ، أو أنَّ أيًّا منهما لم يصلْ مع الآخرِ إلى قوةٍ معلنة ، خرجتْ من ميدانِها كسيرةً وجاءتْ معتذرة، في هذه المرةِ واجهتْ اثنين في الساحة ، خرَّتْ على الأرضِ مثلَ صريعٍ مهزوم ، سكبتْ دموعَها والرملُ يكحِّلُ عينيها الماكرتين، قال لرفيقةِ الدربِ هيَّا بنا قبل أن يتحولُ الرملُ الذي تتوسدُه إلى عاصفة ، أجابتْه وهل تظنُّها قادرةً على النهوضِ بعد خسارتها؟ هزَّ رأسَه وهو موقنٌ أنها يمكن أن تفعلَ ذلك وأكثر ، قال لها : اصدقيني القولَ هل ستظلين رافعةً بيرقَ الحب ، طأطأتْ رأسَها وقالت لن أجيبك، أبعدَ كلِّ هذا لاتزالُ تخشى من التعثُّرِ وأنتَ فارسُ الميدان؟ اطمأنَّ ويدُه بيدِها ، في الطريقِ تظاهرَ بالتعب ، قالت ويحَ قلبي! جلستْ بجانبِه تقصُّ له قصَّةَ عثورِها عليه بعد كلِّ معاركِه.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

درر الشعر : صدق المشاعر

د.وسيلة محمود الحلبي لوحة شعرية تميزت بروعة التصوير وقوة التعبير رسمها شعرا وجسدها مشاعرا وطوع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.