محمد الرياني
قالت له البائعةُ بعد أن تركتْ مكانها وجاءتْ إليه على استحياء: يمكنك أن تتذوقَ قطعةً من هذا البسكويت الذي بيدك دون حرج ، كانت تراقبه عن بعدٍ بينما هو يقرأ المكونات ؛ الدقيق ، السكر، النارجيل، تاريخَ الصنعِ وأشياءَ أخرى من بينها بلد المنشأ ، كررتْ عليه بأن لا عليك، افتحْ الغلافَ وتذوقْ فكاميرات المراقبةِ لاتعمل عندنا ، قالت ذلك وهي تضحكُ وتمزح ، تشجَّعَ وقال حسنًا، هذا النوعُ من البسكويتِ يذكِّرُني بأمّي التي كانتْ تشتريه لي صغيرًا، قد يكونُ تغيرَ بعضُ لونِ غلافِه ؛ لكنَّ رائحتَه لاتزال كما هي لم تتغير، أحضرتْ له مقعدًا دائريًا من الخشبِ وطلبتْ منه الجلوس، لايزالُ الوقتُ في الصباح والزبائنُ لم يتوافدوا بكثرةٍ بعد ، لم يكنْ مطمئنًا وظلتْ عيناه تنظران تارةً إلى الكاميراتِ المزروعةِ في السقفِ وتارةً أخرى نحوَ الشاشةِ التي تستعرضُ حركةَ الداخلين والخارجين، سألتْه ألاتزالُ خائفًا؟ ولأمنحكَ الثقةَ فالمحلُّ لي ولن يطالبَكَ غيري ، فتحتْ بنفسِها البسكويتَ وعينه على ظفرِها الذي يشبهُ لونُه لونَ الغلافِ الأحمرِ القاني، المكانُ يشعرُه بالخجلِ ومن العيبِ أن يأكلَ مثلَ طفلٍ رافقَ أباه في متجرٍ للحلوياتِ والتموين ، طلبَ منها أن تُحضرَ له واحدًا آخرَ مع المفتوحِ ليحملَه معه ، عادتْ إلى مكانِها وأوعزتْ إلى البائعِ الآخرِ بعدمِ استلامِ المبلغِ منه، كان ينظرُ إلى الأرضِ وكأنَّه لم يَلحظْ حركتَها مع العامل ، قال له بلكنته لاتدفعْ شيئًا، القيمةُ مدفوعةٌ ، أخرجَ حبةً من القرطاسِ المفتوحِ وأخذَ يلعقُ النارجيلَ الملتصقَ بها وهو يبتسمُ لها ويضحكُ في آنٍ معًا، التصقَ بأنفِه شيءٌ من البياضِ لم يتَنَبَّه له، رمشتْ بعينيها وأشارتْ إلى البابِ الزُّجاجيِّ في المحل، قالت بهمس : انظر إلى وَجهكَ في المرآة، حرَّكَ رأسَه يوافقها بأنها على حق ، أزالَ بقايا النارجيل بإصبعِه وألصقَها على البابِ الزجاجيِّ عنوةً وغادرَ ، تركتْ مقعدَها الذي تجلسُ عليه لتبيعَ للزبائنِ وسحبتْ معها منديلَ ورقٍ واحدٍ ووقفتْ عند البابِ لتزيلَ مافعله، وقفَ يراقبُها وبيدهِ غلافُ البسكويتِ الفارغِ يكررُ قراءةَ الكتابةِ التي عليه، رمتِ المنديلَ في برميلِ نفاياتٍ قريبٍ منه وهي تنادي باسمه ولا يعرفُ كيف عرفتْ اسمه، كلُّ الذي يعلمه أنَّ اسمَه كان مكتوبًا على الغبارِ العالقِ بزجاجِ السيارةِ الخلفي، نقرتْ على البابِ المتسخِ بالغبارِ وقالت ماذا لو أكلتَ البسكويتَ في المكانِ الأنظف، تعني بقالتها، أليسَ ذلك أفضلَ من زُجاجكِ الذي يعشقُ التراب؟ أدارَ محركَ سيارتِه وتركَها.