بقلم الأستاذة: دينا ناصر العارضي
تشكّل العادات جزءاً أساسياً في حياتنا، ودائماً ما نجد لدينا الرغبة لبناء عادات مفيدة كالاستيقاظ باكراً والرياضة والقراءة وغيرها، أو التخلص من بعض العادات السلبية كالتدخين، وألعاب الفيديو وغيرها، فنبدأ بنشاطٍ وحماسٍ كبير وبعد يومين أو ثلاثة تهون العزيمة ونفشل بالالتزام، وندخل في حلقة مفرغة لسنواتٍ عديدة. واليوم سنتحدث ونحاول أن نلخص أحد أهم وأروع الكتب عن هذا الموضوع وهو كتاب “العادات الذريّة” من قبل الكاتب جيمس كلير، فهذا الكتاب ينقلنا الى مستوى فريد من فهم العادات وكيفية الالتزام بها ويركّز على موضوع، تفشل كثير من الكتب الأخرى في الحديث عنه ألا وهو كيفيّة ترك العادات السيئة. وعنوان الكتاب “العادات الذريّة” يشير الى أنّ رغم صغر بعض العادات بالظّاهر فهي تحبس طاقة هائلة ولها تأثيرٌ عظيم على حياتنا وسنحاول في هذا المقال تلخيص أهمّ وأبرز الأفكار في هذا الكتاب.
تعريف العادة لغةً
هي أيّ سلوكٍ يتكرّر بشكلٍ منتظم يومياً أو أسبوعياً أو شهريا ًويميل لأن يتم بشكل لا واعي دون أن نفكّر به، والعادات هي لبّ تطوير الذات، ولتكوين عادات جيدة يجب أن نتجنب وضع أهداف جذريّة لنلتزم بها فجأةّ، بل إنّ التدريج يعتبر السبيل الأفضل لتطوير أو ترك أيّ عادة.
القوّة الهائلة للعادات الصغيرة
إن فكرة تغيير حياتنا بين ليلةٍ وضحاها هي فكرة مغلوطة تماما، إذ أن العادات تحتاج إلى وقت طويل لبنائها أو حذفها أو تغييرها، فأجسامنا تقاوم أي تغييرٍ كان ولو كان بسيطاً، فما بالك بالتغييرات الكبيرة، وصحيحٌ أن هذا التغيير يحدث في بعض الحالات إذا تعرّض الشخص لصدمةٍ أو ما شابه ذلك، ولكن حتى تأثير هذه الصدمة يمكن أن يتلاشى مع الوقت وينتكس الشخص مجدداً، وبالتالي فإنّ الاعتماد على بعض التغييرات البسيطة والتّركيز عل الطّريق الذي نقطعه للوصول الى الهدف بدلا من التركيز على الهدف نفسه يعتبر من أفضل وأكثر الطرق ثباتاً ونجاحاً في بناء أو هدم العادات.
المبالغة في تقدير أهمية الإرادة والحماس
فالشعور بالقوّة والحماس من فترة لأخرى وخاصة بعد مشاهد أفلام أو مقاطع فيديو تحفيزية هي مجرّد وهم. فهي نشوة ٌمؤقتة سرعان ما يزول تأثيرها لتعود مجددا الى عاداتك القديمة بانتظار دفعة الحماس الأخرى وهكذا دواليك فالتغيير لا يكون بوضع الأهداف العظمى أمامنا؛ بل بمعرفة أن عاداتنا الحاليّة هي ما يكبح جماحنا والبدء بإجراء تحسينات بسيطة جداً في البداية والتركيز على كل 1% من التطور بدلاً من التركيز على 99% الباقية.
الحلقة المفرغة في كل عادة
حيث يعتبر جيمس كلير أن كلّ عادة تتكون من أربع أجزاء تشكل حلقة مفرغة وهي:
الإشارة
وهي معلومات يتلقّاها دماغنا من المحيط تدفعنا بشكل واعي أو غير واعي للقيام بسلوك ما. كالشعور بالشبع بالنسبة للمدخن، أو رنّة الهاتف عند قدوم إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي.
الرّغبة
الرّغبة تأتي بعد حصول الإشارة، فسماع صوت إشعار الهاتف مثلا قد يولّد رغبةً لدى الشخص في تصفّح الهاتف، والرغبة هي أحد أهم الوسائل التي يمكن للشخص من خلالها التعرف على الإشارات المتعلّقة بالعادة. لما لها من أهميةٍ سنراها لاحقاً عندم تعلّم هدم العادات.
الاستجابة
وهي استجابة الشخص للرّغبة عن طريق القيام بالسلوك المرغوب به، فتصفح الهاتف بعد الشعور بالرّغبة هو بمثابة استجابة لهذه الرغبة.
المكافأة
هي شعور السّعادة الذي ينتابنا بعد القيام بسلوك العادة، ويكون غالباً بسبب افراز هرمونات داخل الدماغ كالدوبامين.
بناء العادات
ينصح الكاتب بأربع قوانينٍ أساسية لبناء العادات فكما أنّ كل عادة مكونة من أربع أجزاء فهدم أو بناء أيّ عادة يعتمد على مدى قدرتنا على التحكّم بهذه العادات:
القانون الأول: أجعل هذه العادة بيّنة وظاهرة
فحاول أن تجعل إشارة العادة مرتبطةً بأمرٍ ملموس بحيث تلاحظها وتولد لديك الرّغبة والاستجابة للقيام بها ولا تعتمد فقط على النيّة الضمنية للالتزام بالعادة. فإذا أردت أن تقرأ كلّ يوم فعليك أن تضع الكتاب بمكانٍ تراه فيه عندما يكون لديك وقت فراغ.
القانون الثاني: اجعلها جذّابة ومحبّبة
فأحد أهم العقبات في بناء العادة هي عدم رغبتك في القيام بها، فعليك أن تحاول قدر الإمكان أن تولد حباً لهذه العادة ويتحقّق ذلك عن طريق عدة أساليب :
ربطها بعادة أخرى مبنية مسبقاً كالاستماع لكتابٍ صوتي أثناء ممارسة الرياضة.
مشاركتها مع الآخرين فالصحبة غالباً ما تجعل معظم النشاطات محببة بالنسبة لنا.
القانون الثالث: اجعلها سهلة
فصعوبة النّشاط الذي ترغب في تعويد نفسك عليه يعتبر عقبة كبيرة في طريق بناء العادة، وبالتالي عليك أن تحاول أن تسهّلها على نفسك قدر الإمكان، وتعتبر البداية أصعب جزءٍ من النشاط عادةً، ويمكن أن تقوم بتسهيلها عبر اتّباع قاعدة “الدقيقتين” فمثلا إذا أردّت ممارسة الرياضة مارسها لمدة دقيقتين بدلا من ثلاثين دقيقة، أو يمكنك أن تقوم بشراء المعدات والتقنيات تسهل عليك النشاط كالأحذية الرياضية المريحة وغيرها.
القانون الرابع: اجعلها مُرضية لك
وهذا يتعلق بجزء المكافئة من كل عادة، فحاول أن تكافئ نفسك عند القيام بها، وهذه المكافئة ليس بالضرورة أن تكون مادية، بل يمكن أن تكون على هيئة كلماتٍ تحفيزيّة أو غيرها، قم أيضاً بمتابعة تطوّر تقدّمك في تثبيت العادة قدر الإمكان، مما يؤدي الى تشجيعك على الاستمرار ويمكن الاستعانة ببعض تطبيقات الهاتف لمساعدتك على ذلك.
هدم العادات السلبية
يؤمن الكاتب أن العادات السيّئة قابلة للهدم، خلافاً للمعتقد الشائع أنّه يمكن فقط تغييرها، و قام بوضع أربعة قوانين لتحقيق ذلك وهي معاكسة للقوانين الأربعة في بناء العادات:
القانون الأول: قم بإخفائها
فإذا أردت هدم عادةٍ سلبية، فعليك أن تحدد الإشارات التي تولّد فيك رغبة القيام بهذه العادة، فمثلا إذا كانت هذه الإشارة هي رنة إشعار الهاتف فعليك أن تقوم بإلغاء كلّ الإشعارات، حتى تقلّ لديك الرغبة في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي.
القانون الثاني: أزل جاذبيتها منها
قم بتذكير نفسك دائما بالتأثيرات السلبيّة لهذه العادة على حياتك وماهي الميزات التي ستحصل عليها عند التخلص منها، وحاول مثلاً أن تكتبها وتضعا في أماكن تمكنك من قراءتها من حينٍ الى آخر.
القانون الثالث: اجعلها صعبة
فتصعيب العادة يساعد كثيراً في التخلّص منا، و تستطيع القيام بذلك عبر تصعيب البدء بها فمثلاً أذا كنت تضطّر للسهر ساعاتٍ طويلة أمام شاشة الهاتف تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، قم بوضع الهاتف خارج الغرفة قبل النوم، أو يمكنك الالتزام أمام أشخاصٍ آخرين، فمثلا يمكنك أن تلتزم مع أصدقائك أنك ستؤدي رقصةً مضحكة في حال قمت بالعودة الى العادة التي تحاول التخلص منها.
القانون الرابع: قم بإزالة المكافئة منها
فعليك أن تربط هذه العادة بالعقاب بدل المكافئة، كأن تلزم نفسك بالقيام بمئة تمرين ضغط في حال تكرار السلوك السلبي، ومع الوقت سيقوم هذا الربط السلبي بإضعاف أساسات هذه العادة ويساعدك في هدمها.
وفي الختام، حاولنا في هذا المقال تلخيص أهمّ النقاط المذكورة في الكتاب ولكن إذا كان لديك الرغبة بالتعمّق في هذا الموضوع وجعل محاولتك القادمة لبناء أو هدم أي عادة أكثر فعاليةً فعليك بقراءة الكتاب، فهناك الكثير من المعلومات الإضافية التي يمكنك الاستفادة منها وبالنهاية فإن حياتك عبارة عن مجموعة من العادات وإذا أردت تغيير حياتك فعليك تغيير عاداتك.