أميمة عبد العزيز زاهد
قالت فتاة في عمر الزهور، وهي تصرخ بصوت مكتوم: لقد انتهى كل شيء، وأصبح حرماني من الحنان والعطف والشعور بالأمان والاستقرار أمراً محققاً، فهي مسألة وقت، قد يكون الآن، وقد يكون بعد غد، لا أدري فأنا أحيا في همّ لا يعلم مداه سوى الله سبحانه، فمع الأسف سبب معاناتي أغلى ما أملك وهما سبب وجودي أمي وأبي، فهما مصدر تعاستي، فكم أحس بمرارة كلماتي وعباراتي التي تخرج من بين حروفي، وهي تعكس بنوة طاغية تواجه ظلماً مجحفاً، وأحاول أن أغالب هذه العاطفة بالعقل؛ حتى لا أصبح مسلوبة الإرادة، وحتى أقوى على الرفض والانصياع نحو حياة تعيسة.
فبداخلي أحاسيس ليس لها أول أو آخر …أشعر بها وهي تصارعني كالأمواج، وتقذف بي في مكان بعيد ليس له شاطئ أو بر أمان، فالبيت الذي أحيا فيه عبارة عن شعلة ملتهبة لا تنطفئ نارها، ومطلوب مني أن أخمدها، ولا أعرف ما الذي عليّ أن أفعله؟ وكيف لي أن أنجح أو أركز في دروسي، وأمارس حياتي الطبيعية، وأعيش كباقي الفتيات؟ وأنا طوال يومي أحيا في خط الوسط، فالنيران تطلق عليّ من كل جانب، ونُصّبت دون إرادة مني حكماً لهما، وكلما حاولت أن أطفئها أراها تزداد لهيبا واشتعالاً، حاولت مراراً أن أهدئ من الوضع، ولكني لا أراه إلا ويزداد سوءاً، وعندما أناقش أمي تبكي وتشتكي من سوء معاملة أبي لها، وقسوته عليها وعدم محاولته لفهمها، وهي الصابرة المضحية منذ بداية حياتها وكل ذلك من أجلنا، وتتطلب مني أن أتفاهم معه لعله يلين ويخضع معي، فأنا الابنة الكبرى وبأسلوبي قد أصل إلى حل الأمور التي عجزت هي عن الوصول إليها، لحظتها أستنفر الصبر المخزون بداخلي وأصطنع الابتسامة، وابتلع نيابة عنها كل سموم الحياة وأحادث أبي، فيصرخ في وجهي ويتهمني بأني منحازة لأمي، وبأني مازلت صغيرة وجاهلة بأمور الحياة، وفي النهاية يصدر قراراته الصارمة ضد كل من في البيت؛ لأني لم أكن في صفه، وتعود مجدداً الدوامة بينهما، بين الشد والدفع والسحب والرفع والنصب، حتى أصبحت حياتنا مجرد أسطوانة مشروخة، نصحو وننام على نفس المنوال، وكم حاولت التفاهم معهما لوضع حلول لاتخاذ قرار جماعي لحل المشكلة، والبت في مصيرنا سواء بالاستمرار أو بالانفصال، حتى ننعم بالراحة المفقودة فيكفي ما سبباه لي ولإخوتي من خوف وذعر وقلة راحة، ونحن نحيا على مائدة القلق، ويكفي ما خلفته مشاكلهما التي لا ولن تنتهي إلا بنفسيات معقدة مريضة، بعد أن أضحت حياتنا أضعف من خيط العنكبوت، وأفكر لماذا أصبح الشقاء رفيقنا في حلنا وترحالنا؟ وفي النهاية وبعدما عجزت قدراتي عن إيجاد الحل قررت أن أوجه كل اهتماماتي وأحاسيسي وسكناتي وحركاتي لخالقي؛ ليهبني المزيد من الصبر وقوة التحمل، وأن يختار لنا الأفضل فنحن نعجز عن الاختيار.