وعد عباس – المدين المنورة
تجذّرت لدى مجتمعنا ممارسات يومية وعادات حياتية وأنشطة معتادة ، حتى غدا رتم حياتنا يسيرُ متشبّثاً بالمثل القائل أن ( العادة طبيعةٌ خامسة )، فالعادات والتقاليد الاجتماعية ( سوسيولوجيا ) كما يسميها علماء الاجتماع هي أنماط سلوكية جُبلت عليها الأجيال وتوارثتها وتشرّبتها حتى أصبحت ثقافة متأصّلة يصعب الحياد عنها والتمرّد عليها .
فقد كانت لنا طقوسنا الخاصة وبرتوكولاتنا المعتادة في مراسم الجنائز وأفراح الزواجات ومناسبات العقيقة والختان وحفلات التخرّج وكذلك في التجمعات التعبدية الدينية والبرامج السياحية والثقافية والدراسيّة .
وفجأة ومن قمم الأيام ، وخوالج الزمن أطلّ علينا فيروس الجائحة وأحداث الكورونا ( فقلبت علينا ظَهْرَ المِجَنّ ) وأحدثت نقلة نوعية وتغيرات جذرية في مجريات حياتنا اليومية ، وأضحى تأثيرها الاجتماعي واضحاً وجليّاً ، وغدت المجتمعات ترزح تحت وطأة الخوف من التهديدات الصحية للجائحة ، ومن منطلق المسؤولية العامة والتضامن المجتمعي لمنع انتشار الفيروس ومحاصرة العدوى وبصورةٍ لا إرادية تغيّرت العادات الاجتماعية . فعلى الصعيد التعليمي بمراحله المختلفة أصبح التعليم ( عن بُعد ) عبر المنصات التعليمية الالكترونية ، وفي مراسم العزاء وبرتوكولات الجنائز أصبح تقديم واجب العزاء يقتصرُ فقط عبر الاتصالات الهاتفية ومواقع التواصل الاجتماعي ، وفي أداء فروض الصلوات أصبحنا نحرص على التباعد الاجتماعي بين الصفوف وعدم التزاحم في مداخل المساجد ومخارجها ، وعند التنسيق لمناسبات أفراح الزواج فقد تم اختزال الوضع إلى الدرجة الأدنى في الحضور والمشاركة والأعداد المحدودة وفي كيفية قضاء شهر العسل وما يتبع هذه المناسبات من تكاليف باهظة ، فقد تلاشت تماماً وذلك ضمن الإيجابيات المستقاة من الجائحة انطلاقاً من ( رُبّ ضارة نافعة )، حيث تجلّى لنا الفوائد الجمّة للحياة البسيطة الخالية من التعقيدات الشكلية ، والبعيدة عن قيود مظاهر التباهي في كافة صوره واشكاله ، ليبرهن لنا هذا الوباء بأن لدينا القدرة على التكيّف التام مع أنماط اجتماعية جديدة ، لينبثق السؤال المتماهي مع مكتسبات الكورونا ، هل باستطاعتنا أن نطلق على محيطنا الاجتماعي ( مجتمع ما بعد الجائحة ).