أميمة عبد العزيز زاهد
قال: بدأت رحلتي مع المرض قرابة الخمس سنوات زرت الكثير من المستشفيات، وقمت بالعديد من التحاليل، كنت أجد نفس الإجابة حسب تشخيص الأطباء، يقولون بأنك متوهم فليس لديك شيء، كيف ذلك وأنا أعرف ما أحس به؟!
ومشيت في رحلتي، لا أمل يصور لي بأن الرحلة ستكون أسهل، عشت أشهراً وأنا أتابع تدهور صحتي، وأهرب لأعيش أيامي، ولكن لم يفدني ذلك بشيء، ولم أجد راحتي، وتماديت مع نفسي، وأصبحت أهرب من حالتي بالنوم لأيام، وتمر الأسابيع كأنها ساعات، والساعات كأنها دقائق.
بعدها استيقظت على نداء من أعماقي، يحثني على حسن الظن بالله، ومتابعة حياتي رغم ما أشعر به من آلام، وقررت أن أبحث عن الاستقرار وعن شريكة لأتمكن من استكمال مشواري معها، وتزوجت ووعدت نفسي، وقبلها خالقي، بأنه لا مجال للاستسلام،
وفي لحظات نشوتي وقمة سعادتي استيقظت فجأة على شيء ما، خنقني وتناثر الدم من فمي دون ألم، أحسست وقتها بأني لم أكن أتوهم، وكانت تلك اللحظة هي العودة لبداية الرحلة من جديد، وعدت للمستشفى وأخبرني الأطباء بأني فعلاً مريض بمرض خبيث، وبأن هناك القليل مما يمكنهم تقديمه لعلاجي، لأن العبء الأكبر في شفائي يكمن في حسن ظني بالله، وفكرت هل فعلاً اقتربت من نهاية البداية؟ وهل سأنطلق مجدداً؟ في هذه الفترة أضاءت حياتي شمعة جديدة، ورزقني ربي بطفل زرع بداخلي الرغبة في الاستمرار ومقاومة اليأس زاد تعلقي وحبي للحياة.
وبدأت بعدها رحلة مشوار العلاج، وبدأ عالمي يتغير، فقد اضطررت أن أغادر وظيفتي، وبدأت أحارب جسدي بما أملكه من إيمان يعيش في قلبي، فلا مجال للتخاذل والفشل، ورسمت دائرتي الصغيرة، وسمحت بدخولها كل من أحب، فساعدوني كثيراً، ولن أنسى ابتسامتهم ودعمهم وحبهم ودعاءهم، فقد كانوا برفقتي طوال الوقت، وشعر قلبي بالراحة، وحلقت بروحي وبدأت معركتي وواجهت في حرب جسدي أسلحة كيماوية، وإشعاعية مهدئات ومنشطات، مغذيات ومثبتات، وثقت بطبيبي والتزمت بنصائحه، وتابعت التسلّح والهجوم بكل قوة، ووصلت لمفترق الطريق فكان لا بد من عمل جراحة يفتحون فيها جسدي، الكل من حولي كان خائفاً من أن أضعف، وواجهتهم بابتسامة الرضا النابعة من أعماقي، فأنا مؤمن بأن الطبيب يداويني ولكن الله سبحانه هو من يشفيني، وعرفوا حقيقة قوتي النابعة من قوة إيماني بخالقي.
وتوالت بعدها العمليات الجراحية، ولم أكن اهتم بآلام جسدي، ولم ألتفت لأي يأس؛ لأني كنت أنتظر لحظة الانتصار على كل آلامي بأي ثمن، ولَم يكن لدي أثمن من عائلتي، فلا مكان للاستسلام، ويجب أن يظلوا متفائلين وسعداء، فما ذنبهم أن يحزنوا أكثر مني؟ أنا الآن أشعر بأني أصغر عمراً مما بدأت، أكبر قلباً مما كنت، أقوى روحاً مما تخيلت، سعيد بسعادتي وسعادة من حولي، فالمستقبل بيد الله ولا يعلم الغيب إلا هو سبحانه، وأصبح الرضا قابعاً في قلبي، وأعيش يوماً بيوم، فاللحظة هي التي أملكها والطبيب سخره الله ليداوي آلام جسدي بأمره سبحانه، فالطبيب يداويني والله يشفيني، أما عن روحي ومشاعري وأحاسيسي فأنا سأتكفل بها، وأكون طبيب نفسي، فأنا ولله الحمد يسكن الرضا أعماقي، ولا مكان لديَّ لغير السعداء، وسأربح معركتي بفضل من الله، ثم بثقتي وإيماني ودعاء كل أحبتي.