سمر ركن – الشارقة
،
تتشارك الشعوب والثقافات حول العالم بالكثير من الروابط سواء كانت اللغة أو الموسيقى والفنون وغيرها، ومن جملة هذه المميزات تبرز ثقافة الطهي التي تشكّل الهوية لهذه المجتمعات. فالمعاين للقارات حول العالم يجد تفاوتاً ملحوظاً في أصناف المأكولات وطبيعتها، إذ يمكن الاستدلال على أهل الساحل من خلال وجباتهم وعناصرها المكونة من الثروة البحرية، كما تدل رائحة الزعتر البريّ على ثقافة الجبال والقرى، والكثير من الدلالات التي تشير إلى تاريخ طويل شكّل هوية مائدة الشعوب.
والزائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ39 يجد الكثير من الكتب التي تتناول تاريخ الأطعمة والمذاقات، التي تخبرنا عن علاقة طويلة شكّلها الإنسان وابتكرها وتفنن في صناعتها، وقد يدلّ الزائر كتاب “فنّ الطهو والانثروبولوجيا” للمؤلفة الفلبينية جوي أدابون، الصادر عن دار كلمة للنشر، على الكثير من الأسرار فهو مؤلف يتحدث عن علاقة المؤلفة بالمطابخ الإماراتية والمصرية ،وغيرها من الدول التي زارتها والتي تمتاز بأسلوب طهي شرق- أوسطي، وتمتلك تنوعاً في المكونات لا تقتصر على الأسلوب الكلاسيكي وحسب.
يروي الكتاب في فصوله الطبخ كممارسة فنية، والنكهة والقيمة، والطعام وفن الطهو في الأنثروبولوجيا التي وصفتها الكاتبة بأنها: “شكل من أشكال ترجمة التراث فهي عملية توضّح التشابه بيننا وبين الآخر فتجعل اللامألوف مألوفاً”، كما تحدثت عن أن وجبة الطعام يمكن لها أن تكون اختصاراً لتقاليد العلاقات الأسرية، التي تربط أفراد العائلة، والرابط الأسمى الذي يجمعهم.
أما كتاب “الطعام والمجتمع في العصر الكلاسيكي القديم” فهو جهد دؤوب عمل عليه المؤلف بيتر غرانسي ونشرته دار كلمة، عالج فيه من منظور ثقافي ظاهر الطعام وسياقه التاريخي في العصور القديمة، في سرد يتصف بالبحث عن أهمية خاصة لدى القارئ العربي، فهو مؤلف يغني المكتبة العربية بدراسة سخية عن واقع هذا النوع من الثقافات التي أبدعت فيها الشعوب.
ويتجاوز الكتاب في طرحه أصناف الطعام وأشكاله وطرق إعداده، ليضع أمام القارئ العربي مشهداً يدل على السياقات الاجتماعية والحضارية للأغذية ومكانتها لدى العديد من الشعوب والطوائف وما تحمله من دلالات صحية واجتماعية وثقافية، حيث انصّب اهتمام المؤلف في العمل على مجتمعات البحر المتوسط، والدول المحاذية لها، مسلطاً الضوء على موضوعات الطعام وطرق تحضيرها وتناولها، والأنظمة الغذائية والصحية والاستخدامات غير المادية للطعام وغيرها من المعارف المتنوعة.
ويتسلسل السرد في الكتاب في فصول تتناول الأطعمة وفئاتها وتاريخها، ضمن عناوين بينها “الحوامض وأنواعها”، و”الهرائس والتنوريات”، و”المطجنات والبوارد”، و”السموك وما يعمل منها”، وغيرها، في مؤلف نشره الدكتور داود الجلبي الموصلي لأول مرة سنة 1353 هجري/ 1934 ميلادي، في الموصل- العراق، وهو كتاب فريد وجدت نسخة منه في خزانة كتب جامع أيا صوفيا في إسطنبول.
وتعرض الدار كتاب “الصحة- الطبخ- الجمال” لجيليان ترافورد، الذي يعرف بالكثير من العلوم المعنية بالعطارة وتوابع الأعشاب وفوائدها وثقافة الشعوب واستخداماتها، إلى جانب كتاب “الطبيخ” – إصلاح الأغذية والمأكولات وطيبات الأطعمة المصنوعات، مما استُخرج من كُتبِ الطُبَّ وألفاظ الطُهاة وأهل اللُبَّ”، الذي جاء من تأليف أبي محمد المُظفّر بن نصر بن سيار الورّاق (من القرن الرابع هجري)، ويروي فيه بعض المعطيات البعيدة والقريبة المتصلة بثقافة الطعام، ويعرض خواصّه ومصادره وفلسفة تأليفه إلى جانب الحديث عن فنون الطهي والطبيخ وأهميتها.