بقلم / ماجد عسيري
مازلت أتذكر جيداً في إحدى الليالي الخالية من الطموح والشغف والمليئة بالملل والخنوع حينها كنت ناقماً على نفسي، حيث لا رؤية ولاهدف ولا مسار في هذه الحياة وكنت متربعاً في منطقة الراحة ” Comfort zone ” حيث لا مستقبل ولا تحدي إنما روتين يومي.
اتصلت بأحد الأصدقاء في تلكم الليلة وبدأت أشتكي وألوم هذا الحال والخذلان في هذه الحياة التي أدارت لي ظهرها وخذلتني وكان كل ما أسمعه منه: نعم، أها، أكمل، وكان منصتاً جيداً لكل كلمة وسألني هل أنتهيت؟ قلت: نعم أنتهيت قال: عندي سؤال واحد فقط.. من السبب فيما أنت فيه الآن؟
هنا كانت الصدمة!! ولحظة الإدراك ولم يكن بالنسبة لي مجرد سؤال بل كانت صفعة قوية جعلتني استيقظ من الغيبوبة التي كنت فيها، لأن كل ما شكوت منه لم يكن إلا رفع المسؤولية عن عاتقي ووضعها على الآخرين وعلى جميع الأصعدة العملية و العائلية و الاجتماعية وتحميلهم مسؤولية رد كل ما أقدمه لهم ، وأريد بهذا أن كل عمل قمت به من أجلهم يجب أن أكافئ عليه فور الانتهاء مما أقدمه لهم لأن ماقدمته لهم بالأمس أريد رد الجميل منهم اليوم وماقدمته اليوم أود أن اتحصّل عليه غداً ، وبهذه المعادلة تصبح الحياة كئيبة بائسة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة ولا متعة.
وأدركت أن المعادلة الصحيحة والقاعدة الوثيقة هي قول الله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسن فسنيسره لليسرى).
فإذا طبقّنا هذه القاعدة أعزائي نكون بها ارتفعنا عن التعامل مع الخلق وسمونا لنتعامل مع رب الخلق وبهذا نكون ارتقينا للتعامل مع رب الكون الذي قال في آية أخرى تشرح لنا هذه الآية ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).
قد لا يكون الربط واضحاً أليس كذلك أما إذا تأملنا (فأما من أعطى وأتقى) ، وفي الآية الأخرى (ومن يتق الله …) المكرر التقوى وكيف نحصل على التقوى أليس بالعطاء!! أي العطاء بدون مقابل بدون منّه بدون انتظار رد الجميل بدون زيادة راتب، ولا أي مقابل معنوي او مادي من أحد.
ما أودّ أن يصلك عزيزي القارئ في هذا المقال ليست السذاجة في تقبل الأوامر وقبول ما لست مجبراً عليه وإنما إذا عملت أتقن وتميّز ولا تنتظر الجزاء من البشر وإنما انتظاره من إله البشر هنا تظهر قوة الإيمان والتوكل ويكون لانتظار الجزاء معنى فالحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة .
هنا اطمئن إذا تأخر الجزاء فالله سبحانه لا يؤخر الجزاء عنده وإنما ستحصل عليه بأفضل مما تتوقع وأيضا بطريقة لم تخطط لها لأنك صديقي القارئ ممن أعطى وأتقى.