نفق الزمن ….

روافد : ساره حسان الاركي

رحلة عبر التاريخ في أعماق الأرض بين الأردن وسوريا ، في أعماق الأرض، حيث يلتقي التاريخ بالجغرافيا، يكمن أحد أعظم الإنجازات الهندسية في العصور القديمة:
النفق الروماني الذي يربط بين الأردن وسوريا.

هذا النفق المائي الضخم، الذي يمتد لأكثر من 170 كيلومتراً، يعتبر شاهداً على عبقرية المهندسين الرومان وإتقانهم لتقنيات الحفر والبناء، تخيل معي أن تنطلق في رحلة عبر الزمن، لتستكشف هذا الصرح المهيب الذي حفرته أيادي بشرية قبل أكثر من ألف عام.

عند الوقوف عند مدخل هذا النفق التاريخي، يشعر المرء وكأنه ينقل إلى زمن آخر، زمن الإمبراطورية الرومانية، تتجول الأنظار في هذا الممر الضيق المظلم، محاولة تخيل الحياة في ذلك العصر، وكيف كان هؤلاء المهندسون يعملون لشهور وسنوات لتشييد هذا الصرح المهيب.

بني النفق الروماني في القرن الثاني الميلادي بأمر من الإمبراطور الروماني هادريان، وكان الهدف منه توفير المياه العذبة لمدن الديكا بولس، وهي مجموعة من المدن الرومانية التي كانت تقع في المنطقة بين الأردن وسوريا، وقد تم اختيار هذا المسار الطويل والمعقد للنفق نظراً للتضاريس الجبلية الوعرة في المنطقة، إلا أن الرومان تمكنوا من حفر هذا النفق بدقة متناهية، حيث كان مستوى الانحدار فيه لا يتجاوز بضع سنتيمترات لكل كيلومتر.

يعتبر النفق الروماني معجزة هندسية حقيقية، حيث استخدم الرومان أدوات الحفر اليدوية المصنوعة من الحديد والنحاس، وتقنيات التهوية والإضاءة داخل النفق، كما استخدموا مواد بناء متينة مثل الحجر والأسمنت الروماني، الذي كان يتميز بصلابته وقدرته على مقاومة عوامل التعرية والتآكل.

تشاهد داخل النفق نقوش باللغة اللاتينية على جدران النفق، تحمل أسماء المهندسين والعمال، أو تواريخ البناء، أو عبارات دينية، توجد أدوات حفر قديمة مصنوعة من الحديد أو النحاس، والتي استخدمها العمال في حفر النفق، و فتحات صغيرة في سقف النفق لتوفير التهوية، وهذه الفتحات مزينة بأشكال هندسية بسيطة، و توجد آبار عمودية تصل إلى سطح الأرض لتوفير تهوية أفضل، هناك غرف صغيرة تستخدم لمراقبة تدفق المياه أو اكتشاف أي تسربات، و بقايا أواني فخارية استخدمها العمال لتناول الطعام والشراب، وقطع نقدية رومانية،

لا يزال النفق الروماني يحافظ على أهميته حتى يومنا هذا، فهو يعتبر شاهداً على التبادل الثقافي والتجاري بين الحضارات القديمة، كما أنه يمثل مصدر إلهام للباحثين والمهندسين في مجال الهندسة المائية والبنية التحتية، بالإضافة إلى ذلك، فإن النفق الروماني يعتبر أحد أهم الوجهات السياحية في المنطقة، حيث يأتي إليه الزوار من جميع أنحاء العالم للاستكشاف والتعرف على تاريخ المنطقة.

يمكن للزوار استكشاف أجزاء من النفق الروماني في عدة مواقع، منها:
• أم قيس، الأردن: تعتبر أم قيس من أهم المواقع الأثرية في الأردن، ويمكن للزوار مشاهدة جزء من النفق والتعرف على تاريخه.
• داعل، سوريا: يقع الجزء الأكبر من النفق في سوريا.
النفق الروماني بين الأردن وسوريا هو قصة حقيقية عن الإصرار والإبداع البشري، وهو شاهداً على عظمة الحضارات القديمة، إن استكشاف هذا النفق هو بمثابة رحلة عبر الزمن، رحلة تمنحنا فرصة للتعرف على أنفسنا وتاريخنا، وتقدير الإنجازات التي حققها أجدادنا.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

عندما تتلاشى الذكريات وتضيع الخيوط

روافد _ ساره حسان الاركي الزهايمر …. تخيل عالمًا تنسى فيه وجه أحبائك، وتضيع في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.