بائع على ناصية الطريق: فلسفة الواقعية والطموح

بقلم بشائر الحمراني

في زحام الحياة، نقف جميعًا على ناصية الطريق، نراقب الآخرين ونتساءل عن دورنا في هذا المشهد الكبير. قد يكون هناك بائع بسيط، يقف في زاوية الشارع، يعرض ما في يديه من بضائع متواضعة. لكنه ليس مجرد بائع، إنه رمزٌ للتحدي والصبر والإيمان العميق بقدرة الإنسان على صنع الفرق، حتى من خلال أبسط الأفعال.

في المقابل، يوجد من لا يفعلون شيئًا سوى الحديث، يملؤون الفضاء بصوتهم العالي، لكن كلماتهم تفتقر إلى الفعل، وإلى الجوهر. يتحدثون عن أحلامهم اللامتناهية، عن طموحاتهم الكبيرة، لكنهم لا يتحركون من أماكنهم. ينتقدون كل محاولة صادقة لتحقيق شيء مختلف، ينظرون إلى طموح الآخرين على أنه تهديد لوهم الاستقرار الذي يعيشون فيه. هؤلاء ليسوا إلا أسرى لأفكارهم، عالقين في دوامة من السلبية والرضا بالحد الأدنى.

البائع على ناصية الطريق يمثل واقعًا مختلفًا. هو يعرف تمامًا أن الكلام وحده لا يصنع النجاح، وأن الطريق إلى تحقيق الأحلام مليء بالعمل والمثابرة، لا بالنقد والخمول. كل صباح، يقف في مكانه المعتاد، ويعرض بضاعته بتفانٍ لا يعرف التذمر. ربما تبدو بضاعته بسيطة، لكنها تحمل في طياتها قصة أعمق: قصة شخص قرر أن يفعل، بدلاً من أن يتحدث فقط.

هؤلاء الذين يكتفون بالكلام، يقفون بعيدًا عن معترك الحياة. هم شهود على أفعال الآخرين، دون أن يشاركوا في صنع الأحداث. ينظرون إلى طموح الآخرين من خلال عدسة قاتمة، يرون فيه تهديدًا لوجودهم الركيك، فيلجؤون إلى النقد كدرع يحميهم من مواجهة حقيقة خمولهم. لكن ما لا يدركونه هو أن النقد بلا فعل هو ترفٌ لا يستحقه إلا من يسعى ويعمل، وليس من يراقب من بعيد.

إن الفارق بين البائع على ناصية الطريق وهؤلاء المتحدثين هو فارق بين الواقعية والطموح الزائف. البائع يعرف أن الحياة لا تمنح شيئًا لمن لا يزرع، وأن الكلمات لا تثمر ما لم تروى بالعمل. إنه فلسفة الصبر والتجربة، فلسفة من يعرف أن كل خطوة، مهما كانت صغيرة، تقرّبه من هدفه.

في نهاية اليوم، تبقى ناصية الطريق هي نفسها، ولكن البائع قد حقق شيئًا، مهما كان بسيطًا. أما الذين لا يفعلون سوى الحديث، فيبقون في أماكنهم، أسرى لأفكارهم المترددة، عاجزين عن تجاوز حاجز السلبية الذي صنعوه بأنفسهم.

الدرس هنا واضح: الطموح الحقيقي لا يكمن في الحديث عن الأحلام، بل في تحويل تلك الأحلام إلى واقع، مهما كانت الوسائل بسيطة. إنه اختيار بين أن تكون جزءًا من الحياة أو مجرد متفرج على الآخرين وهم يعيشونها.

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

خريف جازان وحسرة المزارعين

بقلم ـ أحمد جرادي فرح المزارعون بمنطقة جازان بموسم الأمطار واستبشروا خيرا بالموسم وأنه سيكون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.