بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
أمر الله عباده بتعظيم شعائره، وقد عرفت في الموسوعة الفقهية الكويتية بأنها جمعُ شعيرةٍ وهي العلامة، مأخوذةٌ من الإشعار (الإعلام)، وَشعائر الله: هي “أَعْلاَمُ دينِه ومظاهره الَّتِي شَرَعَهَا، وأمر عبادَه بها”، مثل الصلاة، والحجِّ، والأذان، والإحسان للناس والمخلوقات، وغيرها من أمور الدين، ونحن في هذه الأيام من عشر ذي الحجة اجتمعت شعائر الله مع بعضها وذلك لعظم هذه الأيام .
وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ هذه الأيّام هي أفضل الأيّام التي يُتقرّب بها إلى الله، وحثَّ على اغتنامها بالأعمال الصالحة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (ما من أيَّامٍ أعظَمُ عندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه العَمَلُ فيهِنَّ من هذه الأيَّامِ العَشْرِ، فأكْثِروا فيهِنَّ من التَّهْليلِ والتَّكْبيرِ والتَّحْميدِ). وأفضل أيام العشر هو يوم عرفة، حين ينظر الله -تعالى- إلى أهل عرفة فيُثني عليهم، ويباهي بهم ملائكته، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تعالَى يباهَي ملائكتَه عشيةَ عرفةَ بأهلِ عرفةَ، يقولُ : انظروا إلى عباديِ، أَتَوْنِي شُعْثًا غَبْرًا .
ففي هذه الأيام تجتمع شعيرة الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي من شعائر الله الظاهرة المتكررة ،وشعيرة الحج التي قال عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) رواه البخاري وسلم ،وفي رواية للترمذي : ( غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) .
إن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وهو إتيان النساء ، والفسوق وهو مخالفة الطاعة ، فلا يترك ما أوجب الله عليه ، ولا يفعل أيضاً ما حرم الله عليه ، فإن خالف فهذا هو الفسوق ، فإذا حج الإنسان ولم يفسق ولم يرفث فإنه يخرج من ذلك نقياً من الذنوب ، كما أن الإنسان إذا خرج من بطن أمه فإنه لا ذنب عليه ، فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقياً من ذنوبه” .
ومن شعائر الله في هذه الأيام شعيرة التكبير فهي تبدأ من دخول أيام عشر ذي الحجة وتنتهي في اليوم الثالث عشر، والسنة التكبير في كل وقت وأن يرفع الإنسان صوته به ويجهر، ويظهر ذلك تعبداً لله وخضوعًا وانقيادًا له مستشعراً تلك الكلمات، فقد كان الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وغيرهم يرفعون أصواتهم في الأسواق وكل مكان يعظمون تلك الشعيرة “الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد”.
ومن شعائر الله شعيرة الصيام وفي هذه الأيام ورد الفضل في صيام يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة وورد في صيامه العديد من الأحاديث، ويستحب صومه لغير الحاج مستحب باتفاق الفقهاء ورَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». أخرجه مسلم ،كما أن يوم عرفة هو يوم من أيام الله أو هو أحد الأيام الكبرى التي كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم سرها عندما قال: “أفضل الدعاء دعاء عرفة”، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة يوافق اليوم الذي يقف الحجيج فيه، شرع الله لحجاج بيته الحرام أن يقفوا بصعيد عرفات، حيث إنه أعظم أركان الحج .
ومن شعائر الله في هذه الأيام ذبح الأضحية تقربا لله فهي إحدى شعائر الإسلام، التي يتقرب بها المسلمون إلى الله بتقديم ذبح من الأنعام وذلك من أول أيام عيد الأضحى حتى آخر أيام التشريق، وهي من الشعائر المشروعة والمجمع عليها، وهي سنة مؤكدة، و مشروعية الأضحية في حديث أنس بن مالك قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما.» وحديث عبد الله بن عمر قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي.» ، ومن شعائر الله يوم الحج الأكبر يوم النحر فهو يوم عظيم.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تسمية يوم النَّحْر بيوم الحجّ الأكبر: تعود إلى اشتماله على مناسك عظيمة؛ سواء في ليله بالوقوف بعرفة، أو في نهاره بالنَّحْر، والطواف، والسَّعي، والحَلْق؛ فالحجّ هو الزمان ، فهذه جملة من شعائر الله في هذه الأيام العظيمة.
فحري بنا أن نستشعرها ونعظمها في نفوسنا وأن نحمد الله أن مد في عمرنا لنعيشها ونتقرب إلى الله عز وجل بتلك الشعائر طمعاً في رحمته وغفرانه، قال الله تعالى( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الذي يعظم شعائر الله فيرى أنها عظيمة في قلبه ويقوم بما ينبغي من التعظيم في جسده فإن هذا من تقوى القلوب علامة على صلاحه وتقوى قلبه، وإذا اتقى القلب اتقت الجوارح لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) .
فعليك بتعظيم شعائر الله فإن ذلك تقوى لقلبك، وخير لك عند ربك، قال عز وجل ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) انتهى كلامه ، نسأل الله أن يجعلنا ممن ووفق للعمل الصالح وممن عظم شعائره وامتثل أوامره واجتنب نواهيه.