كتب/ الأستاذ سلطان بن سعد العتيبي
تتجاوز الرعاية الصحية المعايير التقليدية في عصرنا هذا لتشمل الجوانب الروحية والدينية، ما يعزز من مفهوم العلاج الشمولي. الإرشاد الروحي للمرضى ليس مجرد إضافة ثانوية، بل هو جزء أساسي يسهم في شفاء الروح والجسد معاً. يقدم هذا النوع من الدعم أملاً وسلاماً داخلياً، يعكس إيماناً راسخاً بأن الراحة الروحية قد تساوي في أهميتها الراحة الجسدية.
تعريف الإرشاد الروحي والديني:
الإرشاد الروحي والديني هو عملية مساعدة المرضى على التعامل مع مرضهم والضغوط المصاحبة له من خلال استخدام النصوص الدينية والمفاهيم الروحية. هذا النوع من الإرشاد يهدف إلى تعزيز الرفاهية الروحية والدينية للمريض، مما يساعد في رفع معنوياتهم وتقوية إرادتهم لمواجهة التحديات الصحية.
الأهداف الأساسية للإرشاد الروحي والديني:
1. الدعم النفسي والروحي:
• توفير الراحة النفسية والدعم الروحي للمرضى خلال فترة العلاج.
• استخدام النصوص الدينية لرفع الروح المعنوية وإعطاء الأمل والتفاؤل للمرضى.
2. تعزيز الصمود أمام المرض:
• مساعدة المرضى على التعامل مع الآلام والصعوبات الناجمة عن الأمراض من خلال الاستناد إلى معتقداتهم الدينية والروحية.
3. التكامل بين العلاج الطبي والروحي:
• إدماج الأبعاد الروحية في الخطة العلاجية لتوفير رعاية شاملة تراعي الجوانب الجسدية والروحية للمريض.
• التأكيد على أن الشفاء ليس فقط جسدياً بل يشمل الجوانب الروحية والعقلية.
الطرق والتقنيات المستخدمة:
• استخدام النصوص الدينية: تشمل الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية، والأدعية التي تتناول الصبر، الأمل، والشفاء.
• التوجيه والنصح: تقديم النصح والإرشاد بطريقة تحترم الحالة النفسية للمريض وتعزز من قوته الداخلية.
• المواساة: تقديم الدعم العاطفي والمعنوي، خصوصًا في الأوقات الصعبة كمراحل المرض المتقدمة أو الألم الشديد.
الأثر المتوقع:
• تحسين التكيف النفسي والروحي للمرضى: يساعد الإرشاد الروحي المرضى على تحسين قدرتهم على التكيف مع الحالة المرضية، مما يقلل من التوتر والقلق المرتبطين بالمرض.
• تعزيز الثقة بالنفس: بناء ثقة المرضى في قدراتهم الذاتية على مواجهة التحديات من خلال التمسك بقيمهم ومعتقداتهم.
أساليب الإرشاد الروحي والديني
تتضمن مجموعة من الطرق التي يستخدمها المرشدون لدعم المرضى روحياً ودينياً. هذه الأساليب تهدف إلى تحسين الحالة النفسية والروحية للمريض، وتعزيز قدرته على التعامل مع الأمراض والتحديات الصحية. إليك شرحًا موسعًا لبعض الأساليب الرئيسية:
1. أسلوب المواساة:
يُستخدم هذا الأسلوب لتقديم العزاء والتسلية للمرضى وأسرهم. يعتمد على استخدام النصوص الدينية والكلام الطيب الذي يسهم في تخفيف المعاناة والحزن، مثل تذكير المريض بفضل الصبر والثواب المتوقع من الله تعالى.
2. أسلوب التبشير:
يركز هذا الأسلوب على إعطاء الأمل والتفاؤل للمريض من خلال التأكيد على الجوانب الإيجابية للتجربة المرضية والتأكيد على أن كل ما يحدث هو بإذن الله ولحكمة معينة. يُستخدم لتقوية إيمان المريض وصبره.
3. أسلوب التطمين:
يهدف إلى تقليل الخوف والقلق لدى المرضى، خصوصاً أولئك الذين يواجهون عمليات جراحية أو تشخيصات صعبة. يعتمد المرشد على الآيات القرآنية والأحاديث التي تُشير إلى رحمة الله وقدرته على الشفاء.
4. أسلوب الإرشاد:
ينطوي على توجيه المريض نحو كيفية التعامل مع المرض من منظور ديني وروحي. يمكن أن يشمل تعليمات حول كيفية الدعاء، الصبر، وأهمية الرضا بقضاء الله وقدره.
5. أسلوب التثبيت:
يستخدم هذا الأسلوب لتعزيز استقرار المريض في مواجهة الشدائد، مثل تلقي أخبار مزعجة أو التعامل مع ألم شديد. يتضمن تذكير المريض بأهمية الثبات على الإيمان والتمسك بالعقيدة الإسلامية.
6. أسلوب التأثير:
يهدف إلى تغيير نظرة المريض لمرضه وحالته من خلال إعادة توجيه تفكيره نحو التفاؤل والنظرة الإيجابية، باستخدام النصوص التي تعزز الثقة بالله وقدرته على كل شيء.
مواجهة الاعتلالات الروحية:
الاعتلالات الروحية هي تلك الأفكار والمؤثرات السلبية التي قد تؤثر على الحالة النفسية والروحية للمريض، وبالتالي تؤثر على فعالية الخطة العلاجية. هذه الاعتلالات قد تشمل الخوف الشديد من الموت، الشعور بالذنب، القنوط وفقدان الأمل، أو التشكك في الشفاء. الأفكار السلبية يمكن أن تعمق من معاناة المريض وتؤدي إلى تدهور حالته الصحية.
الطرق المستخدمة لمواجهة الاعتلالات الروحية:
1. التعريف والتشخيص:
• يجب على المرشد الروحي أولاً التعرف على هذه الاعتلالات من خلال الحوار المستمر وملاحظة السلوكيات والأفكار التي يعبر عنها المريض. يشمل هذا التعرف على أنماط التفكير السلبية والمعتقدات الدينية المغلوطة.
2. المواجهة بالتوجيه الروحي:
• استخدام النصوص الدينية والأدعية لمواجهة هذه الأفكار. يمكن للمرشد تقديم آيات قرآنية أو أحاديث نبوية تبين رحمة الله وعدله وقدرته على شفاء كل داء.
مثلاً، لمواجهة الخوف من الموت، يمكن استخدام قوله تعالى: “كل نفس ذائقة الموت”، مع التأكيد على أن الموت محطة لا مفر منها لكل الخلق وأن الحياة الآخرة هي البقاء الحقيقي.
3. الدعم النفسي والمشورة:
• تقديم الدعم النفسي والمشورة للمريض لمساعدته على التعبير عن مشاعره والتخفيف من حدة هذه الاعتلالات. يشمل هذا الاستماع الجيد وتقديم النصح بطريقة تفاعلية تشجع المريض على إعادة التفكير في موقفه.
مثلاً، إذا كان المريض يشعر بأنه معاقب بمرضه، يمكن توجيهه لفهم أن الابتلاء في الإسلام يعتبر تكفيراً للذنوب ورفعة في الدرجات.
4. التثقيف الديني:
• تعليم المريض حول مفاهيم صحيحة للابتلاء والمرض في الإسلام، وكيفية التعامل معها بصبر واستسلام لإرادة الله. تشجيع المريض على الدعاء والتقرب إلى الله كوسيلة للتخفيف من الألم والمعاناة.
5. تمكين المريض:
• تمكين المريض من خلال تعزيز ثقته بنفسه وقدرته على التعامل مع المرض، وتشجيعه على أخذ دور نشط في عملية الشفاء والتحكم في حياته رغم الصعوبات.
تأثير وفوائد الإرشاد الروحي
الإرشاد الروحي يلعب دورًا محوريًا في الرعاية الصحية، خاصة في المجتمعات التي تُعطي وزنًا كبيرًا للجوانب الدينية والروحية في حياة الفرد. تأثير الإرشاد الروحي يمتد ليشمل العديد من الجوانب النفسية والجسدية والروحية للمريض، وهناك العديد من الفوائد التي تعود على المريض من هذا النوع من الإرشاد:
1- تحسين الصحة النفسية:
الإرشاد الروحي يساعد في تقليل مستويات القلق والاكتئاب لدى المرضى من خلال تقديم دعم يبعث على الأمل والإيجابية. يعزز من قدرة المريض على التحمل والمثابرة خلال فترات المرض والعلاج.
2- تعزيز الرضا بالعلاج والتقيد به:
المرشدون الروحيون يساعدون المرضى على فهم كيف يمكن للإيمان والممارسات الدينية أن تتكامل مع العلاجات الطبية، مما يؤدي إلى تحسن ملحوظ في الالتزام بالخطط العلاجية.
3- تقديم الراحة في مواجهة الموت والمرض:
يساعد الإرشاد الروحي المرضى وأسرهم على التعامل مع الأمور المتعلقة بالموت والمرض بطريقة متزنة ومقبولة، مع التركيز على الاستعداد الروحي والنفسي لجميع الاحتمالات.
4- تعزيز الصحة الجسدية:
البحوث تشير إلى أن هناك علاقة بين الصحة الروحية والجسدية؛ حيث يمكن للشعور بالراحة الروحية والنفسية أن يساعد في تحسين الاستجابات الفيزيولوجية للجسم وتعزيز الشفاء.
5- تحسين الرفاهية العامة:
يعزز الإرشاد الروحي الشعور بالرفاهية والسكينة ويقلل من الشعور بالعزلة أو الانفصال الاجتماعي، خاصة في حالات المرض الطويل أو المزمن.
6- توفير معنى وسياق للتجارب الصعبة:
يساعد الإرشاد الروحي المرضى على إيجاد معنى وهدف حتى في وجه المعاناة، مما يساعد في تقبل الظروف وربما التعلم منها.
7- التخفيف من آثار الصدمات:
في حالات الأمراض الخطيرة أو الحوادث، يمكن للإرشاد الروحي أن يقدم الدعم اللازم للتغلب على الصدمات والتحديات النفسية الناتجة عن هذه الأحداث.
8- تعزيز الشعور بالمجتمع والدعم الاجتماعي:
يسهل الإرشاد الروحي على المرضى الشعور بأنهم جزء من مجتمع يدعمهم ويفهم تجاربهم، مما يساعدهم على الشعور بالأمان والدعم.
العلاج الروحي يُعد رافداً قوياً يغذي الأمل في نفوس المرضى، ويعمق من استجابتهم للعلاجات الطبية. من خلال الإرشاد الروحي، نستطيع توفير بيئة داعمة تساعد المرضى على التعافي ليس فقط جسدياً، بل روحياً وعقلياً. يتبين بذلك أن الرعاية الصحية المتكاملة التي تضم الجوانب الروحية، تعد أكثر فعالية في رحلة الشفاء والعافية.
بالإشارة انة تم اطلاق دبلوم للدعم والإرشاد الروحي والذي تم تطويره بالاشتراك بين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والجمعية السعودية للدراسات الدعوية، وتحت اشراف إدارة التوعية الدينة والدعم الروحي بوزارة الصحة