أيتام..ولكن عظماء! (1)

إعداد الكاتبة / د. وسيلة محمود الحلبي

اعتنى ديننا الإسلامي باليتيم، واهتم به اهتمامًا عظيمًا، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة كثيرة في ذلك، وفيها الحث على كفالته، والعناية به، والتحذير والوعيد الشديد مِن أكل ماله ظلمًا، وقهره، وسبِّه وشتمه والإساءة إليه.
نعم أيتام، ولكن علماء، أيتام وقادة، أيتام وعظماء، أيتام وأئمة…
كفاكم أبناؤنا الأيتام شرفًا وفخرًا أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نشأ يتيمًا؛ فالحمد لله الذي جعل يُتمه صلى الله عليه وسلم تشريفًا لكل يتيم؛ قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ [الضحى: 6]، وُلد يتيمًا، وعاش يتيمًا، فأدَّبه الله فأحسن تأديبه، حتى عمت دعوته العالم، ونشر الإسلام في كل العالم
بل إن الكثيرَ من الأنبياء عليهم السلام كانوا يتامى، منهم: سيدنا موسى عليه السلام، كان يتيمًا ترعاه أمه، ونبي الله عيسى عليه السلام ولد بلا أب لأم يتيمة هي مريم عليها السلام
فاليتيم يجِدُّ ويجتهد، وينشط ويعمل، ويتعلم ويصل إلى أعلى المناصب، وكم مِن ولد عاش في كنف والديه وأكل أفضل الطعام وأحسنه، ولبس من أجمل الثياب وأفخمه، لكنه فشل في حياته العلمية والعملية والمهنية!
نعم أيتام، ولكن علماء، أيتام وقادة، أيتام وعظماء، أيتام وأئمة…
ولو تتبعنا حياة العظماء والقادة والعلماء، لوجدنا أن اليتامى كانوا في مقدمتهم، ومنهم نماذج نفتخر بها فكانت لهم القيادة والزعامة في العلم والدعوة والأخلاق.

من هؤلاء: الصحابي الجليل أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عبد الرحمن بن صخر الدَّوْسي، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ونقلًا له.
نشأ يتيمًا، وقدم المدينة فأسلم، ولزم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فروى عنه 5374 حديثًا، نقلها عنه أكثر من 800 رجل بين صحابي وتابعي، كان أكثرَ مقامه في المدينة، وتوفي فيها.
ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله: الذي قال: “حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين”.
لكن، مَن الذي رباه؟! اسمع وهو يُحدث عن نفسه فيقول: “كنتُ يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيه للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، وأخفف عنه”.
ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: كان يتيمًا، توفي أبوه وعمره ثلاث سنوات، فمن الذي اعتنى به؟ إنها أمه، فقد حفظ القرآن وعمره عشر سنين. هذا الإمام اليتيم أعز الله به الأمة حين وقعت المحنة، فكان عظيمًا.
قال المرُّوذي: قال لي أبو سِراج بن خُزيمة: كنا مع أبي عبد الله في الكتَّاب، فكان النساء يبعثن إلى المعلم: ابعث إلينا بابن حنبل ليكتب جوابَ كتبهم، فكان إذا دخل إليهن لا يرفع رأسه ينظر إليهن من كثرة أدبه وحسن خلقه.
ومنهم الإمام الأوزاعي رحمه الله: كان يتيمًا في حجر أمه، تنقُلُه من بلد إلى بلد ليتعلم، حتى بلغ من العلم مبلغًا عظيمًا.
ومنهم الإمام البخاري رحمه الله: حبرُ الإسلام، والحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب الجامع الصحيح، صحيح البخاري، ولد في بخارى، ونشأ يتيمًا.
ومنهم القاضي أبو يوسف رحمه الله: يعقوب بن إبراهيم الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت، وأشهر تلاميذه، وقد نشأ وعاش يتيمًا فقيرًا معدمًا، لكنه كان من أعظم القضاة في الأمة الإسلامية، حتى قال عنه الإمام ابن عبد البر رحمه الله: “وهو أولُ مَن لُقِّب بقاضي القضاةِ”.
وللحديث بقية
*سفيرة الإعلام العربي
*عضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
*مسؤولة الإعلام بجمعية كيان للأيتام

عن إدارة النشر

شاهد أيضاً

قناع الابتسامة

حمساء محمد القحطاني _ الافلاج تلك الضحكة التي أطلقها في وجه الحياة وتلك الابتسامة الهادئة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الرؤية: انطلقت جريدة روافد الإلكترونية من المدينة المنورة تساهم في تقديم الأخبار وتغطيتها، واستقصاء المعلومة بأسلوب يراعي أحدث المعايير المهنية ويحرص على ملامسة رغبات القراء المعرفية وتلبية احتياجاتهم المعلوماتية. وتعنى روافد بالشؤون المحلية، في دائرتها الأقرب، ثم تتسع دوائر اهتماماتها لتشمل شؤون الخليج فالعرب فالعالم.
الرسالة: توفير المحتوى الملائم للجمهور على مستوى التغطيات السياسية والرياضية والأخبار المنوعة، وتقديم التقارير والتحليلات السياسية والتحقيقات الصحفية في مختلف الأحداث بأسلوب يتماشى مع تطلعات الجمهور، وتقديم محتوى غير تقليدي من حيث الشكل والمعالجة. ولن تتوقف روافد عند حدود المهنية ومعاييرها، بل ستحرص على إضافة نكهتها الخاصة التي تمرّن فريق العمل عليها.