بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
العمل الخيري الإنساني عمل محبب للنفس؛ فقد فطر الإنسان منذ الأزل على حب الخير ومساعدة الناس وتقديم المعونة المادية والمباشرة، ذاك أن العمل الخيري يرتبط بجوهر الإنسان نفسه، وهي فطرة متأصلة لمن يعيش على هذه البسيطة، فتفاعل البشر مع بعضهم البعض في الأزمات والكوارث والمصائب هو تجسيد للانتماء الإنساني وسلوك ونهج متأصل في البشرية باختلاف مللهم ونحلهم، إن بعض دول العالم في القرن الحادي والعشرين تموج بالفتن والصراعات والأزمات الاقتصادية والسياسية مما يؤثر على الشعوب، فكرامة الإنسان وأن يعيش حياة هانئة هو ما نادى به ديننا الحنيف، قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، كما حث على فعل الخير في أحاديث عدة منها على سبيل المثال لا الحصر إماطة الأذى عن الطريق قال النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لقد أُرِيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ في شَجَرةٍ قطعَها مِنْ ظَهْرِ الطريقِ، كانت تُؤذِي المسلِمينَ» كلها من أفعال الخير الإنسانية النابعة من الفطرة البشرية، إن القطاعات الخيرية الإنسانية تسد حاجات أفراد المجتمع في الوقت المناسب وهي من الأهمية بمكان في الدول لما لها من آثار ايجابية واقتصادية واجتماعية وتعليمية، كما أن منطلقاتها المساواة بين الأفراد والأعراق والأجناس بمبدأ العدل والإنسانية، إن الخير قيمة عليا فإذا وفقك الله لعمل الخير فالزمه وابذل جهدك ونفسك له، فقد فُتح لك باب من أبواب العمل الصالح، إن العمل الخيري كما عرف في المعجم الوسيط (كل عمل منسوب إلى الخير، متسم به، هادف إلى النفع العام) وعرف اصطلاحاً (كل نشاط يقوم به بعض الأفراد أو المنظمات بهدف تقديم أموال، سلع أو خدمات ما، أو غير ذلك مما يحتاج إليه ذوو الحاجة من الناس عادة، وهذا النشاط يكون بدون مقابل) العمل الخيري الإنساني عمل إداري ومؤسسي منضبط بتشريعات شرعية ومنطلقات وأسس محلية و دولية، وتكمن فلسفته في خلوه من الربح والعائد والبحث عن الأثر والأجر والرضا النفسي، فيقدم فيه الإيثار على الأنانية، والبذل على الربح، وينبثق العمل التطوعي من العمل الخيري الإنساني، وعرف التطوع (الأنشطة التي تتم بإرادة حرة من أجل الصالح العام، وحيث لا يكون المقابل المادي هو العامل الرئيس والمحفز) العمل الخيري الإنساني في الهدي النبوي له قصص كثيرة منها ما أوقفه النبي صلى الله عليه وسلم من بستان مخيرق لخدمة الأمة الإسلامية وكذلك أوقاف أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، كما أوصى بعض الصحابة كسعد بن أبي وقاص بنصف ماله ومنعه الرسول صلى الله عليه وسلم وحثه على الثلث، وأيضا العمل على التعليم كما كان يفعله النبي صلى الله عليم وسلم بنفسه أو ببعث أصحابه للأمصار لنشر دين الإسلام أو لتعليم أركانه وكتاب الله، العمل الخيري الإنساني يرتكز على أسس اجتماعية ونفسية وأخلاقية، فالحاجة إلى العطاء والمنح ليست حاجة مادية للمُعطى فقط، بل هي حاجة للمانح أيضا للشعور بالرضا الداخلي، والمملكة العربية السعودية جهودها واضحة في العمل الخيري الإنساني منذ تأسيسها وكانت صاحبة يد بيضاء على المستوى المحلي بتمكين الجمعيات الخيرية وعلى المستوى الدولي بالمساعدات الإنسانية من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة، ومن أهدافها الإستراتيجية في رؤية المملكة 2030م تمكين المسؤولية المجتمعية التي انبثق منها تمكين الشركات من المساهمات الاجتماعية، وتمكين المنظمات غير الربحية من تحقيق أثر أعمق للقطاع، ولذلك تطور العمل غير الربحي في المملكة، فمنذ بزوغ فجر الدولة السعودية انطلقت الأعمال الخيرية الإنسانية عبر القطاعات غير الربحية وهي تخدم كل محتاج من الداخل والخارج وازدادت هذه الأعمال مع التقدم الاقتصادي وأصدرت له تشريعات ولوائح منظمة له، وقد كان للقطاع غير الربحي على مد التاريخ حتى زمننا هذا الأثر البالغ في تقديم الخدمات الإنسانية الخيرية وتلمس الاحتياجات الاجتماعية، وتم تمكينه بشكل رئيس في رؤية المملكة 2030 ووضعت له المستهدفات التي تحقق أثره التنموي وعزز ذلك بالمتطوعين الذي لا يتأخرون في بذل جهدهم وفكرهم بالمشاركة في تقديم الخدمات بشتى مجالاتها التنموية والرعوية، واهتمت بتحفيزهم وزيادة عددهم إلى مليون متطوع بنهاية الرؤية وتوثيق تلك الجهود والأعمال واحتساب القيمة الاقتصادية، كما حرصت على تحقيق الاستدامة المالية للقطاعات غير الربحية وتمكينها لكي تقوم بالدور المنوط بها من خلال مصادر موثوقة عبر قنوات إلكترونية عدة وبكل يسر وسهولة، ومراقبتها عبر معايير الحوكمة التي ستحقق العدالة والشفافية والنزاهة والرقابة الذاتية والإفصاح والمساءلة، كما تنوع المستفيدين من القطاعات غير الربحية فهي قائمة على الاحتياجات المجتمعية من جميع أطياف المجتمع، وشجعت الرؤية على استقطاب الكوادر الإدارية البشرية المتميزة لتحقيق المستهدفات وتكامل القطاع غير الربحي مع القطاع الحكومي والخاص من خلال أهداف مشتركة، وكان من أبرزها تفعيل الدور التطوعي لدى الموظفين والمؤسسات التعليمية ووضع الامتيازات المحفزة وتفعيل المسؤوليات المجتمعية في القطاع الخاص، كما حرصت على تعزيز قيم الوسطية والتسامح .
أخيرا العمل الإنساني هو مبدأ التكافل الاجتماعي ويشعرك بالأخوة والانتماء الوطني وتحقيق التنمية، هو عمل ليس مختصاً بأحد بل هو متحتم على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، ويجب أن نعزز تلك الفطرة في أبنائنا منذ الصغر ، فلنعد إلى فطرة الله التي فطرنا عليها.